الصقالبة، وغلبوا على من عداهم من الكبراء وأصحاب المناصب. ومرض الحاجب في أوائل سنة ٣٩٦ هـ، واستبد طرفة بالأمر، وأمضى كثيراً من الأمور دون علم الحاجب أو موافقته، وأبدى كثيراً من الاستهتار والتبذل والطيش، فلما أبل الحاجب من مرضه، كانت نفسه قد تغيرت على طرفة، ولما خرج إلى الغزو في شهر رمضان من هذا العام، خرج معه الوزير عيسى، واستطاع خلال الطريق أن يقنع عبد الملك بسوء مسلك طرفة وخطر مشاريعه، وكان من المقرر أن يلتقي طرفة بسيده في سرقسطة، فقدم إليها في بعض القوات في نفس اليوم الذي وصل فيه الحاجب مع جيشه؛ وما كاد يدخل إلى عبد الملك في قصره، حتى قُبض عليه، وصُفد بالأغلال، وحمل إلى إحدى جزر الشاطىء، واعتقل حتى انتهى عبد الملك من غزوته، فأمر بقتله، وهو في طريق العودة، وأمر الحاجب في نفس الوقت بقتل عبد الملك بن إدريس الجزيري الكاتب البليغ أمين البلاط، وكان من خاصة طرفة، وكان الوزير عيسى قد حذر عبد الملك من ممالأته لطرفة ومعاونته على إفساد أمور الدولة (١).
وأضحى عيسى بن سعيد، بعد قتل طرفة، رجل الدولة الأول، واسترد كامل حظوته وسلطانه، على أنه لم ينعم طويلا بظفره. وكان هذا الوزير قد تقلب في مناصب الدولة منذ أيام المنصور، وحظى لديه، وسما شأنه، حسبما رأينا، ثم تضاعف شأنه، واستأثر بتدبير الأمور منذ بداية عهد عبد الملك، وجمع الأموال الطائلة، وزاد في توطد سلطانه ونفوذه مصاهرته للحاجب، حيث تزوج ابنه عبد الملك المكنى أبا عامر، أخت عبد الملك الصغرى، إحدى بنات المنصور، وهكذا بلغ الوزير أقصى مراتب النفوذ والثقة، وكثر بذلك حساده والوشاة في حقه. وكان عيسى يذكي من حوله عواطف الخصومة والنقمة. بما كان يجنح إليه من الصلف والخشونة والكبرياء، والنكول عن قضاء حاجات الناس، والنظر في مظالمهم، والتعالي عليهم، وكان حجابه وعماله، على شاكلته من الغلظة والتعسف في معاملة الناس. فكان ذلك كله سبباً في تسمم الجو حول الوزير، وحول تصرفاته. أضف إلى ذلك أن الوزير، لم يكن يشارك الحاجب في مجالس شرابه وأنسه إلا في القليل النادر، لأنه كان مقلا للشراب، فكان تخلفه يمهد