للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢١ أكتوبر سنة ١٠٠٨ م) (١)، ولم يكن قد جاوز الرابعة والثلاثين من عمره.

* * *

حكم عبد الملك المظفر ستة أعوام وبضعة أشهر، قضى معظمها في متابعة الغزو، ولم يكن لديه سعة من الوقت ليتناول تدبير الأمور بنفسه. وكانت الدولة قد توطدت منذ أيام أبيه المنصور، ولم يقع تبدل في طرق الحكم، فكان الخليفة هشام، كعهده أيام المنصور محجوباً في قصره، وكان عبد الملك يحرص على حجبه وإخفائه بين صفوف الجند، كلما سنحت فرصة خروجه في موكبه، بيد أنه يبدو أن عبد الملك كان أكثر تودداً للخليفة، ورفقاً به من أبيه، فقد كان يدعوه إلى قصوره بالزاهرة للتريض والاستجمام، وكان هشام ينفق أوقاتاً في ضيافته (٢).

وكان عبد الملك لانهماكه في الشراب واللهو، قد اعتمد في تدبير شئون الدولة، على خاصته من أكابر الفتيان العامريين أمثال طرفة، وواضح، وزهير، وخيران، ومجاهد، وعلب عيسى بن سعيد اليحصبي المعروف بابن القطاع، وزيره ووزير أبيه من قبل. وكان عبد الملك لأول ولايته، قد فوض أمره إليه ومنحه سائر السلطات العليا، ثقة منه بإخلاصه، واعتماداً على كفايته. ووطد حسن ظنه فيه، ما أبداه عيسى من البراعة والحزم في تدبيير الأمور، وتوطيد النظام والأمن. وكان الفتيان الصقالبة، ولاسيما زعيمهم طرفة، خادم عبد الملك الأكبر، ينقمون على عيسى، حظوته واستئثاره بالسلطة، ويعملون ما وسعوا للنيل من مكانته. واضطرمت المنافسة بالأخص بينه وبين طُرفة، وبذل طرفة جهوداً عنيفة لإفساد الجو بينه وبين الحاجب، واستطاع مع استمرار الوقيعة والدس أن يزعزع ثقة عبد الملك فيه، وأن يصرفه عن الاعتماد عليه، وانتهى الأمر بأن تغلب طرفة على الوزير، وحل محله في تدبير الأمور، واجتمعت السلطة في يده شيئاً فشيئاً، حتى غدا كل شىء في القصر وفي الدولة، وسما شأن الفتيان


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٣٧، والذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٦٦، وأعمال الأعلام ص ٨٩. وذكر المقري أن وفاة عبد الملك كانت في المحرم سنة ٣٩٩ (ج ١ ص ١٩٨). ويؤيد ابن الأثير رواية وفاة عبد الملك بالسم ويقول لنا إن أخاه عبد الرحمن سمه في تفاحة قطعها بسكين كان قد سم أحد جانبيها فتناول أخاه مما يلى الجانب المسموم، وأخذ مما يلى الجانب الصحيح فأكله بحضرته، فاطمأن المظفر وأكل ما بيده منها فمات (ج ٨ ص ٢٢٥).
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>