جرأة وفتكاً؛ فساروا حذرين حتى باب القصر، ثم شهر طرسوس سيفه، وهجم في الحال على صاحب المدينة عبد الله بن أبي عامر (عسكلاجة) وانتزعه من مجلسه، وكان يحتسي الخمر مع قينتين من جواريه، وجىء به مخموراً إلى محمد بن هشام، فأمر بضرب عنقه، ورفع رأسه على رمح، فلما أبصرت العامة رأسه مرفوعاً، هرعت إلى محمد بن هشام، والتف حوله منهم جمهرة كبيرة من السفلة والغوغاء، فقويت بذلك عصبته، ثم بادرت باقتحام سجن العامرية، وأفرج عمن فيه من القتلة واللصوص، وتلاحق عليه أقاربه المروانية من كل صوب، واستنهضوا الناس لنصرته، حتى اجتمع حوله منهم طوائف غفيرة.
ونمي الخبر إلى الخليفة هشام المؤيد، فأمر بإغلاق أبواب القصر، وصعد إلى السطح، ومن حوله خادمان يحمل كل منهما مصحفاً، وحاول مخاطبة العامة، فأسكتوه وأغلظوا له القول، فانصرف عنهم إلى داخل القصر، وأمر الخدم بالكف عن كل مقاومة حتى يقضي الله أمره. فأمر محمد بن هشام العامة بنقب أسوار القصر، واقتحام أبوابه، وبذل العامة في ذلك جهوداً فادحة، وأتوا بالسلالم، وصعدوا إلى أعلا الأسوار، وسيطروا على عدة نواح من سطح القصر، وارتد الخدم أمامهم، ووصلوا إلى خزائن السلاح فنهبوها واشتد ساعدهم. ولما سمع الخليفة بذلك، خشي البادرة على نفسه وأهله، فبعث إلى محمد بن هشام يعرض عليه أن يقصي بني عامر من الحكم، وأن يشركه في أمره، فرفض محمد ذلك، وطلب إلى فاتن محافظ القصر أن يفتح الأبواب، فأذعن ودخل محمد القصر، واحتل مجلسه، ومن حوله خاصة أصحابه، واعتزم أن يقضي ليله بين الشموع المضيئة. ثم قام بطرد العامة من القصر وأجلاهم عن سطحه، وكفهم عن انتهاك حرمه، وعين ابن عمه محمداً بن المغيرة في كرسي الشرطة، وابن عمه الآخر عبد الجبار بن المغيرة في خطة الحجابة، ودعا سليمان بن هشام من قرابته فسماه ولي عهده، وبعث إلى الخليفة هشام يعاتبه على إيثار بني عامر، ويدعوه إلى خلع ْنفسه، منذراً مهدداً، فارتاع هشام وبادر بالقبول، واستدعى محمد في الحال بني عمومته، وأكابر بيته، ونفراً من الأعيان والوزراء والقضاة في جوف الليل، وأعلن هشام خلع نفسه بمحضر من بعضهم، وقدم إلى محمد بعض حلله الخلافية الفاخرة، فتم الخلع، وذلك بعد أن مكث هشام في الخلافة ثلاثة وثلاثين عاماً