للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واليمنية، أو بعبارة أخرى من البيوت العربية، التي عمل المنصور وآله على سحق رياستها ومكانتها الاجتماعية، وإخضاعها لنفوذ البربر والصقالبة. وقد رأينا فيما تقدم أن هذه لم تكن أول مؤامرة أو محاولة من نوعها لتحطيم نير بني عامر، وأن المنصور وولده عبد الملك، استطاعا أن يقضيا على بعض المؤامرات الخطيرة، التي دبرت لتحقيق هذه الغاية.

كانت الظروف قد تهيأت. إذاً أمام المتآمرين للعمل. فقد خرجت معظم وحدات الجيش مع عبد الرحمن إلى الغزو، ولم يبق منه سوى فرق قليلة ترابط في قرطبة والزاهرة، وجمهور الشعب متأهب بعواطفه ونفسيته الضجرة المتذمرة لتأييد أي انقلاب.

ولما نضجت المؤامرة، واتسع نطاق الدعوة لمحمد بن هشام، وكثر الإرجاف بالانقلاب المنشود، شعر الوزراء العامريون بالخطر، وضاعفوا الأهبة والحرس حول قصور الزاهرة. وكان محمد بن هشام وأعوانه خلال ذلك يجتمعون سراً وينظمون خطتهم الأخيرة. وكان محمد هذا الذي اختاره بنو أمية زعيماً لهم، قد فطر منذ نشأته على الشر والمغامرة، لا يخالط سوى الزعانف والأشرار. وقد وصفه ابن الخطيب في قوله: " جرار جسور، ثائر مخاطر، خليع، مداخل للصقورة والفتاك، لايدري في أي واد يهلك " (١).

وفي يوم ١٦ جمادى الأولى سنة ٣٩٩ هـ (١٥ فبراير ١٠٠٩ م) جاءت الأنباء إلى قصر الزاهرة بأن عبد الرحمن قد عبر بجيشه إلى أرض النصارى، فأدرك المتآمرون في الحال أن الفرصة قد سنحت للعمل، واعتزم محمد بن هشام لفوره أن ينزل الضربة المنشودة. وكان قد بث نفراً من رجاله حول قصر قرطبة، وقد تسلحوا تحت ثيابهم خفية. ففي عصر هذا اليوم، كان محمد يكمن في الضفة الأخرى من النهر (نهر الوادي الكبير) قبالة القصر. وكانت خطة المتآمرين أن يسددوا الضربة الأولى لقصر قرطبة، وهو يومئذ المقام الشتوي للخليفة هشام المؤيد، وحوله قلة من الحرس، ولأن ظروف العمل في قرطبة، كانت أدعى إلى النجاح نظراً لعطف الكافة والدهماء وتأييدهم. وفي الوقت المحدد عبر محمد النهر، والتف حوله من أصحابه اثنا عشر فتى، منهم طرسوس المجوسي، وهو أشدهم


(١) أعمال الأعلام ص ١٠٩؛ وراجع البيان المغرب ج ٣ ص ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>