للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من قبل من فتيان المراونية، ثم انتقل إلى العامربين فيمن انتقل من فتيان القصر، ولكنه بقي على ولائه لسادته الأقدمين. وتعهدت الذلفاء بأن تعاون المتآمرين بالمال والتدبير؛ وسرعان ما استجاب بنو أمية للدعوة واختاروا من بينهم زعيماً هو محمد بن هشام بن عبد الجبار. وكان فتى جريئاً مغامراً في الثالثة والثلاثين من عمره إذ كان مولده في سنة ٣٦٦ هـ، وأمه أم ولد تدعى مزنة (١)، وكان مذ قتل أبوه هشام، يتحرز على نفسه، ويختفي في أحواز قرطبة وكهوفها، ويجتمع حوله الصحب من المغامرين. فلما أجمع بنو أمية أمرهم على اختياره، بايعوه سراً بالولاية والخلافة، وكان له ولأبيه من قبل دعاة من أهل قرطبة من المروانية وغيرهم، يدعون له؛ واشتدت هذه الدعاية مذ أجمع المتآمرون رأيهم على اختياره. وكان خروج عبد الرحمن المنصور أو شنجول إلى الغزو فرصة سانحة للعمل، فأخذ محمد بن هشام يحشد أنصاره، ويجتمع بهم سراً في كهوف جبل قرطبة. وكثر إرجاف دعاته في المدينة أن دولة بني عامر قد قضي عليها، وأن الأمر سيعود إلى المروانية، وكثر تشهيرهم بعبد الرحمن وقبيح تصرفاته. وكانت هذه الدعاية تجد لدى جمهور الكافة أذناً صاغية، لما وقر في نفوسهم من بغض عبد الرحمن وازدرائه. وإليك كيف يصف لنا ابن الخطيب موقف الشعب القرطبي، وحالته النفسية إزاء العامريين، وإزاء عبد الرحمن:

" وقد جبل الله أهل قرطبة على ملل ملوكها، والقلق بذوي أمرها، والإرجاف بما يتوقع لها. وكان سفهاؤهم بالأسواق والمجامع غير المحتشمة، تؤثر عنهم في العامريين نوادر حارة، واستراحات عنهم؛ كان المنصور وولده المظفر يستحضر لذلك مشيختهم، ويأمرهم بإنهاء وعيده، ويشافههم بإنكاره، ولا يزال حكامه يبلغون في تغيير ذلك وإنكاره أقصى المبالغ ضرباً للظهور، وقطعاً للألسنة. فلما ذهب عبد الرحمن هذا المذهب، وأطاع هذا الخرق، كثر الحمل وشهرت البغضة " (٢).

ولم يكن المروانية، وحدهم في هذا التدبير الذي قصد به إلى سحق نير العامريين ودولتهم، فقد كان إلى جانبهم سائر العناصر الناقمة من قريش، ومن المضرية


(١) جذوة المقتبس ص ١٩.
(٢) أعمال الأعلام ص ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>