للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واضطر عبد الرحمن أن يسير لفوره بالجيش إلى قلعة رباح، في طريقه إلى قرطبة.

- ٢ -

لم يكن ذلك الهدوء الظاهر، الذي ساد قرطبة خلال هذه الأشهر القلائل التي اضطلع فيها عبد الرحمن بالأمر، سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة. وكان حكم الطغيان الذي فرضه بنو عامر على الأندلس قد أخذ منذ أيام عبد الملك، يحدث آثاره المادية والأدبية، في نفوس الشعب، ويبدو لهم بغيضاً مرهقاً. ولم يكن يستر هذه الآثار سوى سياج خفيف من الحذر والترقب. ذلك أن سلطان بني عامر كان يستند دائماً إلى قوة عسكرية يخشى بأسها، قوامها البربر والصقالبة؛ فلما جاء عبد الرحمن، وكشف عن نيته في الاستئثار برسوم الملك، واغتصاب ولاية العهد، ألفت العناصر الناقمة، وفي مقدمتها بنو أمية أصحاب الولاية الشرعية، في ذلك مادة جديدة، للتنديد بحكم بني عامر وطغيانهم واجترائهم، وفي تلمس الوسائل الكفيلة بسحق دولتهم؛ وكانت شخصية عبد الرحمن الهزيلة، وأرومته الأجنبية، وما أبداه من ضروب الاستهتار والمجون، تذكي عاطفة السخط عليه، سواء بين الخاصة أو الكافة، وتمهد السبيل إلى الانقلاب المنشود.

وكانت خيوط المؤامرة التي اجتمعت حولها العناصر الناقمة، تتوثق شيئاً فشيئاً، وكان أهم مدبريها شخصيتين، الأولى الذلفاء والدة عبد الملك المصور، وقد كانت تعتقد اعتقاداً جازماً بأن ولدها قد توفي غيلة بالسم، وأن قاتله هو أخوه عبد الرحمن، وكانت لذلك تتوق إلى الانتقام، والثانية هي شخصية فتى من بني أمية هو محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر، وكان عبد الملك قد أمر بإعدام أبيه هشام بتهمة التآمر مع الوزير عيسى بن سعيد كما تقدم.

وكانت الذلفاء امرأة ذكية قوية العزم، كثيرة المال والوجاهة، وكانت بالرغم مما أصبغه عبد الرحمن عليها وعلى أسرة ولدها وأخيه عبد الملك، من ضروب الرعاية والإكرام، تسعى دائبة للإيقاع به. فلما شعرت بأن الجو قد تهيأ للسعي، بما ثار حول تصرفات عبد الرحمن من ضروب الإنكار والسخط، اتصلت بوجوه بني أمية، وأخذت تحثهم على التحرك والقيام لاسترجاع دولتهم، والانتقام من بني عامر، وكان صلة الوصل بينها وبينهم فتى من صقالبة العامريين يدعى بشرى

<<  <  ج: ص:  >  >>