للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصحبه المقربين من ذلك بأعظم نصيب, واستولت العامة على خزائن الكسوة والمتاع والسلاح والحلي، ولم يكف النهب إلا في مساء اليوم التالي. وحرص عبد الجبار على أن يحيط بقواته، بيوت الحُرم والمال وخاص المتاع والجوهر، وأن يبعد العامة عنها، وقد استولى المهدي على جميع محتوياتها ونقلها إلى قصر الخلافة بقرطبة. ويقال إنه حصل من أموال الزاهرة المنهوبة خمسة آلاف وخمسمائة ألف دينار من النقود، ومن الذهب ما قيمته ألف ألف وخمسمائة ألف. وأطلق المهدي الحرائر من بني عامر، واصطفى الجوارى لنفسه، ووهب منهن لوزرائه وأصحابه، وأذن للذلفاء أن تنتقل وأسرة ولدها عبد الملك وولده الصغير محمد، مطلقة السراح إلى دورها بالمدينة، وكانت لحرصها قد نقلت إليها معظم خزائن المال والمتاع.

ولم يكتف المهدي بذلك كله، بل عمد بعد أن استصفى سائر ما في الزاهرة من الخزائن والأموال الطائلة، إلى هدم صروحها وأسوارها، واستطالت الأيدي إلى كل نفيس من مرمر قصورها وطرائفها وأنقاضها وأبوابها، فلم تمض أيام قلائل على ذلك السيل المدمر، حتى اختفت صروح الزاهرة ومعالمها الضاحكة، وغدت أطلالا دارسة، وخرائب موحشة. وكان المهدي يتعجل إزالة رسوم بني عامر بكل ما وسع، خشية أن يعود عبد الرحمن المنصور، قبل أن يتم إحكام ضربته وتوطيد مركزه.

وقد ذكرت لنا الرواية أن المنصور بن أبي عامر، كان يتوقع ذهاب دولته وخراب الزاهرة، وكان هذا الخاطر ينتابه من آن لآخر، ويفضي به إلى خاصته, وقد نقل إلينا الوزير أحمد بن حزم، والد الفيلسوف الشهير، أن المنصور كان يقول: " ويحاً لك يا زاهرة الحسن، لقد حسن مرآك، وعبق ثراك، وراق منظرك، وفاق مخبرك، وطاب تربك، وعذب شربك، فياليت شعري من الذي يهدمك، ويوهن جسمك ويعدمك "، وأنه كان يؤكد لأصحابه صحة هذه النبوءة في مناسبات كثيرة (١).

- ٣ -

لما وصلت أنباء هذا الإنقلاب الخطير الذي وقع في قرطبة، إلى عبد الرحمن


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>