المنصور أو شنجول، وهو في طليطلة، بادر بالسير في قواته إلى قلعة رباح، والحيرة تغلب عليه، والاضطراب يسود صفوف الجنود، وهنالك تمهل قليلا، وأعلن في الحال أنه ينزل عن ولاية العهد، ويقتصر على الحجابة، وبعث كتبه بذلك إلى طليطلة وأعمالها، وفيها يناشد الناس أن يهرعوا إلى نصرة الخليفة المظلوم هشام، وإلى التمسك بطاعته، ويصف لهم ما ارتكبه محمد المهدي ودهماء قرطبة من العيث والسفك. فلم يعبأ أحد بدعوته، وكان أول الخارجين عليه الفتى واضح مولى أبيه، وهو يومئذ والي طليطلة. وحاول شنجول في الوقت نفسه، أن يأخذ العهد على زعماء الجند بنصرته والقتال معه، ولا سيما زعماء البربر الذين يؤلفون سواد الجيش، فتظاهروا بموافقته، ولكنهم تعاهدوا فيما بينهم، وعلى رأسهم كبيرهم محمد بن يعلى الزناتي زعيم زناتة، أن يتخلوا عن شنجول وألا يغامروا بمحاربة أهل قرطبة، وفيها أسرهم وأموالهم، وخصوصاً بعد الذي ترامى إليهم عن التفاف الناس حول محمد بن هشام، وتفانيهم في نصرته؛ وقوى هذا العزم لديهم ما أفضى إليهم القاضي أبو العباس بن ذكوان - وكان قد صحب شنجول في غزاته - من أنه يتبرأ من شنجول ويقضي بفسقه، وينكر عليه ما يدعو إليه من قتال المسلمين بقرطبة، وفيهم العلماء والصالحون، والنسوة والأطفال. ومما تجدر ملاحظته أن القاضي ابن ذكوان هذا، كان من قبل من أخص رجال الدولة العامرية، وكان من أشد المعاونين لعبد الرحمن المنصور على انتزاع ولاية العهد من هشام.
وكان إلى جانب شنجول في معسكره، زعيم من زعماء بني غومس سادة مقاطعة كريون في جلِّيقية، وكان قد صحبه يرجو عونه على بعض خصومه من الزعماء المجاورين، فلما رأى اضطراب أحوال الجند، نصح شنجول بأن يعدل عن السير إلى قرطبة، وأن يعود في أصحابه إلى طليطلة فيتفق مع واضح، فأبى شنجول نصحه، وزعم أنه متى اقترب من قرطبة، سارع الناس إلى نصرته.
وقد بقي هذا الزعيم النصراني إلى جانب شنجول حتى النهاية (١).
وعلى أي حال فقد سار شنجول في قواته صوب قرطبة، حتى انتهى إلى " منزل هاني "، وهي أقرب محلاته إلى المدينة. وما كاد الليل يرخي سدوله،