للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى غادر معظم الجند البربر أمكنتهم تحت جنح الظلام، وأسفر الصبح وهو صبح نهاية شهر جمادى الآخرة سنة ٣٩٩ هـ (نهاية فبراير سنة ١٠٠٩ م) فلم يبق إلى جانب عبد الرحمن سوى خاصته وحرمه وحشمه وجمع يسير من غلمانه، وابن غومس في نفر من أصحابه، وغادر المعسكر تباعاً زعماء البربر، والفتيان الصقالبة ووجوه الأندلسيين، وهنا نصحه ابن غومس مرة أخرى بأن ينجو بنفسه وصحبه، فأبى.

وسار شنجول في أهله حتى وصل إلى أرملاط من مشارف قرطبة، وقد تركه النفر القليل الذي بقي معه، فاستولى عليه اليأس، وأدخل حرمه قصر أرملاط، ثم خرج مودعاً والصراخ يتبعه، وسار ومعه ابن غومس، وقد عول على الفرار، فالتجأ ليلا إلى الدير القريب. وكان محمد بن هشام في تلك الأثناء يتتبع أخباره وحركاته، فلما نمى إليه أنه يزمع الفرار، بعث في الحال الحاجب ابن ذرى في طائفة من الفرسان، فسار مسرعاً إلى أرملاط ودهم الدير، وقبض على شنجول وابن غومس. وأخذ نساء شنجول من القصر، وهن سبعون جارية، فبعث بهن إلى قرطبة. ولما شعر شنجول بأنه هالك أعلن أمام معتقله أنه يعترف بطاعة المهدي، فاستاقه ابن ذرى هو وابن غومس، ثم أمر بتوثيق يديه بالرغم من احتجاجه، وفي خلال الطريق طلب شنجول أن يفك وثاق يديه قليلا ليستريح، فأجيب إلى طلبه، وعندئذ أخرج من خفه سكيناً بسرعة البرق، وحاول أن يغمده في صدره، فتداركه الجند، وأوثقوا يديه، وأمر الحاجب بقتله، فذبح في الحال، وفصل رأسه عن جسمه، وقتل ابن غومس، وحمل رأس شنجول إلى المهدي في نفس المساء، وحمل جسده معروضاً على بغل، وأمر المهدي فحنطت الجثة، وركب عليها الرأس، وألبست كسوتها، ونصبت على خشبة طويلة على باب السُّدة، ونصبت رأس ابن غومس على سارية إلى جانبها. وكان مقتل عبد الرحمن المنصور في اليوم الثالث من رجب سنة ٣٩٩ هـ (٣ مارس سنة ١٠٠٩ م).

وقد انتهت إلينا من تعليقات المعاصرين على تلك الحوادث المتوالية المدهشة تعليق شاهد عيان يقول فيه:

" ومن أعجب ما رأيت من عبر الدنيا، أنه تم من نصف نهار يوم الثلاثاء

<<  <  ج: ص:  >  >>