الشعب يضطرم سخطاً وبغضاً وازدراء، وكان يرقب أول بادرة للانفجار. فلما وقعت هذه البادرة بوثوب محمد بن هشام؛ لبى الشعب لفوره دعوة الخروج والثورة، ولم يفكر في شىء من العواقب، ولم يفكر إلا في تحطيم هذا النير البغيض - نير بني عامر - بأية وسيلة. وكان له ما أراد، وقد حقق رغبته بأيسر أمر.
على أن الأمة الأندلسية لم تجن خيراً من هذا الانقلاب، الذي حققه الشعب القرطبي دون تدبر ودون تحوط. ذلك لأنه لم يقف عند القضاء على دولة بني عامر، بل بالعكس كان نذيراً بانهيار دعائم النظام والأمن، اللذين تمتعت بهما الأندلس في ظل الدولة المنقضية، ودفع الأمة الأندلسية إلى معترك مروع من الفتن المضطرمة، والفوضى الشاملة، التي انتهت بانهيار حكومتها المركزية، وتمزيق وحدتها، ومواجهتها لأخطر مصير عرفته منذ قيامها في شبه الجزيرة.