للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ كان الإسلام أكثر تعضيداً لتحرير الرقيق من النصرانية، كما فهمها أحبار المملكة القوطية. وكذا حسنت أحوال أرقاء الضياع، إذ غدوا من الزراع تقريبا، وتمتعوا بشىء من الإستقلال والحرية " (١).

ويقول الأستاذ لاين بول: " أنشأ العرب حكومة قرطبة التي كانت أعجوبة العصور الوسطى، بينما كانت أوربا تتخبط في ظلمات الجهل، فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منائر العلم والمدنية ".

" ماكان المسلمون كالبرابرة من القوط أو الوندال، يتركون وراءهم الخراب والموت. حاشا، فإن الأندلس لم تشهد قط أعدل وأصلح من حكمهم. ومن الصعب أن نقول أنى اكتسب العرب تلك الخبرة الفائقة بالشئون الإدارية، فقد خرجوا من الصحراء إلى الغزو، ولم يفسح لهم تيار الفتح مجالا يدرسون فيه إدارة الأمم المفتوحة " (٢).

ويقول المستشرق الإسباني جاينجوس: " لقد سطعت في اسبانيا (الأندلس) أول أشعة لهذه المدنية، التي نثرت ضوءها فيما بعد على جميع الأمم النصرانية. وفي مدارس قرطبة وطليطلة العربية، جمعت الجذوات الأخيرة للعلوم اليونانية بعد أن أشرفت على الانطفاء، وحفظت بعناية. وإلى حكمة العرب، وذكائهم، ونشاطهم، يرجع الفضل في كثير من أهم المخترعات الحديثة وأنفعها " (٣).

وقال المؤرخ الأمريكي سكوت: " في أقل من أربعة عشر شهراً، قضى


(١) II, p. ٢٧٧ - ٢٧٨. Dozy: Histoire, V. ويذكر دوزي من جهة أخرى أن الفتح أعقبته فترة من الفوضى نهب فيها المسلمون عدة أماكن، وأحرقوا عدة مدن وشنقوا بعض الأشراف، وقتلوا الأطفال بالخناجر، ولكن الحكومة العربية قمعت في الحال هذه الفظائع (ج ٢ ص ٢٧٥). ويندد من جهة أخرى بقضاء العرب على حرية الكنيسة، واستئثارهم بتكوين المجالس الدينية، وتعيين الأساقفة وعزلهم. ثم يقول إن العرب بعد أن توطد سلطانهم، كانوا أقل احتراما للمعاهدات المعقودة (ج ٢ ص ٢٨١). ونقول نحن إن دوزي لم يعتمد في سرد هذه الفظائع إلا على الرواية النصرانية وهي متحاملة مغرضة تحمل طابع المبالغة، خصوصا فيما يتعلق بقتل الأطفال. أما تنديده بقضاء العرب على سلطة الكنيسة فليس مما يمكن تبريره، لأن سياسة الفتح المستنيرة، وبواعث توطيد دعائم الدولة الجديدة، تقضي بأن يأخذ الغالب بزمام كل السلطات في البلد المفتوح.
(٢) Lane - Poole: The Moors in Spain, Ch. I.
(٣) p VII & VIII.I.Gayangos: History of the Mohammedan Dynasties in Spain V.P

<<  <  ج: ص:  >  >>