أسلاب الدولة المنهارة. فقد كان هناك المروانية أو بنو أمية، يرون أنهم أصحاب السلطة الشرعية، وأصحاب التراث المتخلف عن مغتصبيها، بني عامر؛ وكان هناك الفتيان العامريون، وأنصارهم من الصقالبة، ومن إليهم من الجند المرتزقة، وقد كانوا أولياء الدولة العامرية، وكانوا من حيث العدد والعصبية قوة يعتد بها؛ وكان هناك البربر، وقد كانوا عماد الجيش العامري، وكان عددهم قد تضاعف في أواخر أيام المنصور وبنيه، وتوافد كثير من زعمائهم إلى شبه الجزيرة؛ ثم كان هناك أخيراً الشعب القرطبي، أو بعبارة أخرى كتلة العامة والدهماء الذين آزروا الخليفة الجديد والتفوا حوله، وقد كانوا قوة خطرة متقلبة، كثيرة الأهواء والنزعات، لا تؤمن عواقبها.
استقبل الشعب القرطبي، ولاية الخليفة الجديد، بمظاهر السرور والرضى، وأقاموا الحفلات والولائم، وظنوا أنهم قد أفلتوا من أغلال النظام العامري المرهق، ليستقبلوا عهداً أكثر تسامحاً، وأوسع آفاقاً، وما دروا أن القدر يتربص بهم، وأن الأندلس سوف تجوز من تلك الساعة، عهداً مليئاً بالمحن والأحداث المؤلمة.
والواقع أن الخليفة الجديد لم يكن رجل الموقف، ولم تكن جرأته التي تذرع بها لانتزاع السلطة من هشام المؤيد، والقضاء على سلطان بني عامر، جرأة زعيم مقدام يقدر المسؤوليات التي أخذها على عاتقه، ولكن جرأة مغامر متهور، وزعيم عصابة غير مسؤولة، التفت حوله جموع الدهماء الصاخبة، دون وعي ولا تدبر، شأنها دائماً في كل انقلاب وكل حدث جديد. ومن ثم فإنه ما كاد يشعر باستقرار أمره، وتمكن سلطانه، حتى أطلق العنان لطغيانه وأهوائه، وجمع حوله بطانة سوء، أخذت تتنكر للناس، وتضطهدهم، وتسومهم سوء الخسف، وأبدى الموكلون بالقصر من رجاله نحو البربر بنوع خاص منتهى الشدة والفظاظة، وكان المهدي ورجاله يخصون البربر بالبغض والزراية، لأنهم كانوا عضد المنصور، وسند نظامه الحديدي، وكان أهل قرطبة ينساقون مع المهدي في هذه العاطفة ضد البربر، وينظرون إليهم شزراً.
وبدا سخط المهدي نحو البربر في سوء معاملتهم، والتشدد في دخولهم القصر، فكانوا يمنعون من الركوب عند الدخول، وينزع سلاحهم، ويوجه إليهم قارص