للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسار صوب طليطلة، ثم دعا أهلها إلى طاعته، فأبوا. وانصرف سليمان بقواته إلى مدينة سالم، فلقي نفس الفشل في استمالة أهلها، فارتد عندئذ إلى قرطبة اتقاء لأهوال الشتاء (أواخر شعبان سنة ٤٠٠ هـ). وفي خلال ذلك كله كان الفتى واضح قد سار إلى طرطوشة من ثغور الثغر الأعلى، واتصل بأمير برشلونة الكونت رامون بوريل وزميله أمير أورقلة الكونت أرمنجو، واتفق معهما على أن يمداه بجيش لمقاتلة البربر في قرطبة، فقبلا معاونته بشروط باهظة، من تقديم الطعام والشراب، وأن يتناول كل منهما في اليوم مائة دينار، وأن يتناول كل جندي دينارين في اليوم، وأن يستولي الجند النصارى على ما يغنمونه من سلاح البربر وأموالهم، وأخيراً أن يستولوا على مدينة سالم، وقد احتلوها بالفعل في طريقهم إلى طليطلة، بعد أن أخلاها واضح من المسلمين (١).

وسار الجيش الفرنجي برفقة واضح إلى طليطلة، حيث انضم إليه المهدي في قواته، وسارت القوات المتحدة صوب قرطبة. وكان سليمان المستعين قد وقف على أهبة خصومه، ووفرة القوات الزاحفة عليه، فاستنفر الناس لنصرته، فلقيت دعوته فتوراً، فحشد ما استطاع من جموعه، وخرج مع البربر لملاقاة خصومه. وكان اللقاء على قيد نحو عشرين كيلومتراً من شمالي قرطبة في مكان يعرف " بعقبة البقر "، وذلك في منتصف شوال سنة ٤٠٠ هـ (أواخر مايو سنة ١٠١٠ م)، واحتل البربر بقيادة زعيمهم زاوي بن زيري المقدمة، ورابط سليمان بقواته في المؤخرة. واقتتل البربر مع الفرنج قتالا شديداً، قتل فيه كثير منهم، وفي مقدمتهم الكونت أرمنجو (وتسميه الرواية العربية أرمقند)، ولكن جانباً من فرسان الفرنج اخترقوا صفوف البربر، فظن سليمان أن الهزيمة وقعت بهم فارتد منهزماً وكشف بذلك مؤخرة البربر، فلما رأى البربر فرار سليمان بقواته، ارتدوا لفورهم نحو الزهراء، فأخذوا أهلهم وأموالهم وغادروها إلى الجنوب مسرعين، وفر سليمان في بقية من صحبه شرقاً صوب شاطبة. وفي اليوم التالي دخل واضح ومحمد المهدي قرطبة، وجدد المهدي البيعة لنفسه وعين واضحاً لحجابته (٢).

واعتزم المهدي أن يقضي على البربر قبل أن يعودوا لمقارعته. فجمع الأموال


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٩٤.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٩٤ و٩٥؛ والذخيرة القسم الأول المجلد الأول ص ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>