للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقدره البعض بعشرة آلاف، بينهم عدد كبير من العلماء والأئمة، وقتل النصارى وحدهم نيفاً وثلاثة آلاف رجل، وثبت واضح في رجاله حتى دخل الليل، فانسل تحت جنح الظلام وفر هارباً إلى الثغر (١).

ولما رأى المهدي هزيمة جنده، سقط في يده، وحاول أن ينقذ نفسه بحيلة سخيفة، يدفع بها دعوى سليمان، فأظهر الخليفة هشاماً المؤيد، وكان قد أخفاه حسبما تقدم، وزعم أنه مات، وأجلسه في مكان بارز في شرفة القصر، وبعث القاضي ابن ذكوان إلى البربر، يخبرهم أن الخليفة هشاماً ما زال على قيد الحياة، وأنه الإمام الشرعي، وليس المهدي سوى نائبه وصاحبه، فرده البربر بجفاء وسخرية، وأبدوا تمسكهم بولاية سليمان. ولم ير المهدي أمامه سوى الفرار والنجاة بحياته، فغادر القصر سراً، واخترق قرطبة متنكراً، ولحق بطليطلة. ودخل زاوي بن زيري زعيم البربر القصر، ودخل سليمان بن الحكم في أثره في يوم الإثنين الخامس عشر من ربيع الأول سنة أربعمائة، وبايعه الناس بالخلافة، وتلقب بالمستعين بالله، واستقبله الشعب القرطبي القُلَّب بحماسة، شأنه مع كل متغلب وظافر (٢). ووكل سليمان بعض الفتيان الصقالبة بالمحافظة على هشام المؤيد في بعض أجنحة القصر، ونزل البربر في الزهراء اتقاء للاحتكاك مع العامة. ومع ذلك فقد كانت حوادث الاعتداء تتوالى عليهم في دروب قرطبة وأزقتها. وكان من أول أعمال سليمان أن أمر بإنزال جثة عبد الرحمن بن المنصور عن خشبتها، فغسلت ودفن في دار أبيه؛ ووفد سانشو غرسية إلى القصر، فاستقبل بحفاوة وخلع عليه وعلى أصحابه، ثم عاد إلى معسكره، ووعده البربر بتسليم الحصون التي تعهدوا بتسليمها متى استقر سلطانهم، ثم غادر قرطبة بعد أن ترك من جنده مائة أنزلوا في ربض منية العقاب.

أما محمد المهدي فما كاد يصل إلى طليطلة، حتى أخذ يدبر أمره من جديد، وكانت الثغور ما تزال باقية على طاعته ودعوته، وانضم إليه واضح وأخذ الأمر ييده. ولما علم سليمان بما يدبره المهدي وواضح، خرج في قواته من قرطبة،


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٩٠؛ ويقول ابن الخطيب إن النصارى قتلوا من أهل قرطبة ثلاثين ألفاً، وهو رقم يحمل طابع المبالغة (أعمال الأعلام ص ١١٣).
(٢) الذخيرة لابن بسام. المجلد الأول القسم الأول، ص ٣٠ و٣١؛ والبيان المغرب ج ٣ ص ٨٩ و٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>