للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأذى، وكتب إلى البربر في أرملاط أماناً، فم يلتفتوا إليه، وغادروا أرملاط وساروا شمالا إلى قلعة رباح، وهناك أخذوا ينظمون أنفسهم ويتدبرون أمرهم.

وكان ممن فر من بني أمية عقب هزيمة هشام بن سليمان ومصرعه، ولد أخيه سليمان بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وكان إماماً للبربر، فسار معهم، ورشحوه منذ البداية لتولي الأمر مكان المهدي، ولقبوه بالمستعين. وكان سانشو غرسية أمير قشتالة يرقب تطور الحوادث في قرطبة باهتمام، متأهباً لمظاهرة الفريق الخارج على الآخر، ففاوضه سليمان وزعماء البربر في طليطلة على أن يمدهم بالجند، وتعهدوا إليه بتسليم بعض الحصون الواقعة على الحدود، فقبل معاونتهم؛ وفي أثناء ذلك حاول الفتى واضح صاحب مدينة سالم أن يعرقل مسير البربر، فأمر مدن الثغر أن تمنع المؤن عن البربر، ولقوا من جراء ذلك شدة وإرهاقاً. وأمده المهدي ببعض قواته بصحبة غلامه بليق، فجمع جموعه وسار لقتال البربر، ولجأ البربر من جانبهم إلى حليفهم سانشو، فأمدهم بالجند والمؤن الوفيرة. والتقى البربر وجيش واضح في مكان يسمى شرنبة على مقربة من قلعة النهر أو قلعة هنارس الحالية Alcala de Henares فهزم واضح هزيمة شنيعة، واستولى البربر على محلته وسلاحه، وفرت فلوله صوب قرطبة. وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة ٣٩٩ هـ (١).

وارتاع المهدي لتلك الهزيمة، وأخذ في تحصين قرطبة، وحفر حول فحص السرادق، وهو محلة البربر خندقاً، ورتب الرجال على الأبواب والأسوار، وأخذ ينظم قواته النظامية ومن العامة. وكان واضح قد أتاه منهزماً في أربعمائة فارس من الثغر، انضمت إلى قواته. وسار سليمان بن الحكم من جهة أخرى في جموع البربر، ومعها القوات القشتالية بقيادة سانشو غرسية، صوب قرطبة، وعسكروا بشرقها في سفح جبل يعرف بجبل قنتج أو قنتش وذلك في يوم ١١ ربيع الأول سنة ٤٠٠ هـ. وبرز واضح في جموعه من أهل قرطبة والثغر، واشتبك الفريقان في القتال يوم السبت ١٣ ربيع الأول (٥ نوفمبر ١٠٠٩ م)، واضطرمت بينهما معركة شديدة، وسرعان ما دب الخلل إلى جيش قرطبة، فارتد منهزماً إلى الوادي، وتبعه البربر بعنف. فضاقت بهم المسالك، وقتل منهم عدد جم


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>