للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطش بكثير من الناس، وفي مقدمتهم ولي عهده سليمان بن هشام، فقد سجنه وسجن معه جماعة من قريش، وأخرج من الجيش نحو سبعة آلاف جندي، أقيلوا وقطعت أرزاقهم، وأضحوا عنصراً من عناصر التوتر والشغب؛ وزاد في التحامل على البربر، والتعريض بهم والطعن فيهم، في كل فرصة وموطن، حتى أصبح بغضه لهم، وتربصه بهم، من الأمور الذائعة، وأخذ كل فريق يحترز من صاحبه، ويتوقع منه الشر والغدر.

وكان هشام بن سليمان بن الناصر، وهو والد سليمان ولي العهد المعتقل، قد وجد على محمد بن هشام من جراء انحرافه وطغيانه ومجونه، وخشي سوء العاقبة على بني أمية، وانهيار أمرهم، فأخذ يسعى في خلع محمد بن هشام، وانضم إليه جماعة من الناقمين عليه، وفي مقدمتهم جماعة العبيد العامريين، وطوائف البربر، ومن تغيرت نفوسهم على محمد بن هشام، وحاصر الثوار محمد بن هشام في قصره، فبعث إلى هشام القاضي ابن ذكوان، وأبا عمر بن حزم، يعاتبانه على تصرفته، وأمر بالإفراج عن سليمان بن هشام، ووقع بين الرسولين وبين هشام حوار شديد، أعلن فيه أنه أحق من محمد بالعرش، فانصرفا عنه. والتفت العامة من الربض الغربي حول محمد؛ وخرج محمد المهدي في جموعه لمقاتلة خصومه، ودار القتال بينهما يومين متواليين، ثم أسفرت المعركة عن هزيمة هشام وجموعه من البربر والعامريين، وأسر هشام وابنه وأخوه أبو بكر ونفر من الزعماء، قتلهم المهدي جميعاً (١). وانثالت الدهماء على دور البربر، فأعملت فيها التدمير والنهب حتى دخل الليل، وكان ذلك في أواخر شوال سنة ٣٩٩ هـ (يونيه سنة ١٠٠٩ م).

ودافع البربر عن أنفسهم، ثم انسحب معظمهم إلى أرملاط (٢) ضاحية قرطبة، ووقع القتال بقرطبة بين من تبقى منهم وبين العامة، وحرض المهدي على قتلهم، وجعل لرؤوسهم أثماناً، ففتك العامة بكثير منهم، ومن بينهم عدة من الزعماء، ونهبوا دورهم، واغتصبوا النساء وسبوهن، كل ذلك في مناظر مثيرة من السفك والاعتداء الغاشم؛ واختفى كثير من زعمائهم. وتوجس المهدي من العواقب، فأصدر للبربر أماناً، ونادى بالكف عنهم، ونصحهم بتغيير زيهم اتقاء


(١) البيان المغرب عن ابن حيان ج ٣ ص ٨٤.
(٢) وهي بالإسبانية Guadimellato

<<  <  ج: ص:  >  >>