وهكذا اختتمت الدولة الأموية حياتها بالأندلس بعد أن عاشت منذ عصر الإمارة حتى نهاية عصر الخلافة مائتين وثمانية وستين عاماً، وانهارت دعائم الخلافة الأموية نهائياً، بعد أن لبثت منذ عهد هشام المؤيد أربعين عاماً، ستاراً للمتغلبين من بني عامر، ثم شبحاً هزيلا يضطرب في غمر الفتنة والفوضى.
ولما قبض علي بن حمود على زمام الحكم، اشتد في معاملة البربر، وإخماد تمردهم وشغبهم، وحماية السلطة المركزية من عدوانهم، فهابوه ولزموا السكينة، وقضى بمنتهى الشدة على كل نزعة إلى الخروج والعصيان، وفتك بالمعارضين له سواء في ذلك العرب والبربر، وأذل الزعماء واستأثر بالسلطة. وحاول من جهة أخرى أن يحسن معاملة القرطبيين، وأن يقيم العدل، ويقمع الفوضى، وكان من معاونيه في الحكم، جماعة من أولياء الخلافة السابقين مثل أبي الحزم بن جهور، وأحمد بن برد وغيرهما.
على أن الحوادث ما لبثت أن تطورت بسرعة. ذلك أن خيران العامري، لما دخل قرطبة مع علي بن حمود ولم يجد الخليفة هشاماً المؤيد على قيد الحياة، خشي سطوة الناصر وغدره، فغادر قرطبة، معلناً الخلاف، وسار إلى شرقي الأندلس حيث يحتشد معظم الزعماء العامريين وأنصارهم، وأعاد الدعوة لبني أمية في شخص مرشح جديد منهم، هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن الناصر، باعتباره أصلح من بقي منهم، وكان قد فر خفية من قرطبة إلى جيان، فاستدعاه خيران وبايعه وجمع كبير من أصحابه بالخلافة، ولقبوه بالمرتضى، وانضم إليهم في تلك الحركة المنذر بن يحيى التجيبي والي سرقسطة والثغر الأعلى ومعه قوة من المرتزقة النصارى، وكذلك ولاة شاطبة وبلنسية وطرطوشة وألبونت وغيرها. وأعلن المرتضى الخلاف على الناصر، وسار في جموعه أولا إلى غرناطة ليحارب جيش صنهاجة القوي، فلقيه أميرها زاوي بن زيري في قواته ونشبت بينهما معركة طاحنة استمرت أياماً، وانتهت بهزيمة أهل الأندلس، ومقتل المرتضى، وتمزق جموعه، وسقوط معسكره في أيدي البربر. وفي رواية أخرى أن المرتضى استطاع الفرار ناجياً بحياته، فبعث خيران في أثره بعض أعوانه فقتلوه على مقربة من وادي آش، وحملوا رأسه إلى خيران. وكان خيران والمنذر قد حقدا عليه لما رأيا من حدته وصرامة نفسه، وخشيا من غدره (١).