بقيت الدولة الأموية عصراً تتشح بثوب الإمارة، وذلك وفقاً لما قرره مؤسسها عبد الرحمن الداخل. وبالرغم من أن بلاط قرطبة، بلغ في عصر أمراء مثل الحكم ابن هشام، وولده عبد الرحمن، مبلغاً عظيماً من القوة والبهاء، وأضحى ينافس بلاط بني العباس في الأخذ بزعامة الإسلام، فإن أمراء بني أمية لبثوا على مبدئهم من الاكتفاء بلقب الإمارة، إلى أن كان عهد عبد الرحمن الثالث (الناصر) فعندئذ تغيرت أوضاع الغرب الإسلامي بقيام الخلافة الفاطمية في الضفة الأخرى من البحر، على مقربة من الأندلس. وكان هذا الحادث الخطير في ذاته أول حافز للناصر على اتخاذ سمة الخلافة، وصدر مرسومه بذلك في اليوم الثاني من شهر ذي الحجة سنة ٣١٦ هـ (يناير ٩٢٩ م) وبذا تحولت الدولة الأموية من إمارة إلى خلافة، وكان عبد الرحمن الناصر أول من تلقب من أمرائها " بأمير المؤمنين ".
وقد تميزت الخلافة الأموية بعدة خصائص، أولها الاعتماد في توطيد سلطانها على الموالي والصقالبة، وهي سياسة بدأت في عهد الإمارة منذ عبد الرحمن الداخل، ووصلت إلى ذروتها في عهد الناصر، وذلك حسبما فصلناه في موضعه، وثانيها الاسترابة بالقبائل والزعامات العربية، والعمل المستمر على إخضاعها، والقضاء على سلطانها ونفوذها، وذلك لما لقيه بنو أمية منذ البداية من معارضة هذه القبائل والزعامات، وانتقاضها المتوالي، وثوراتها المتعددة، وثالثاً عطفها الواضح على أهل الذمة وهم النصارى واليهود، وكفالة حرياتهم الدينية والاجتماعية، وهذه السياسة أيضاً ترجع إلى عصر الإمارة، حيث أنشىء منذ عهد الحكم بن هشام أو قبله بقرطبة، منصب خاص لإدارة شئون أهل الذمة يعرف صاحبه " بالقومس "، وقد كان للنصارى المعاهدين، فوق ذلك قاض خاص، وقد يكون أسقفهم في نفس الوقت؛ وعين بعد ذلك للنصارى مطران خاص، مركزه بمدينة إشبيلية. وقد استمر هذا التسامح نحو النصارى المعاهدين عصوراً، وذلك بالرغم مما كانوا يدبرونه في بعض الأحيان ضد الحكومة المسلمة من الدسائس والمؤامرات ويعقدون من الصلات المريبة مع نصارى الشمال.
وبلغت الخلافة الأموية بالأندلس ذروة قوتها ونفوذها السياسي والأدبي في عهد الناصر وولده الحكم المستنصر. بيد أنه بوفاة المستنصر (٣٦٦ - ٩٧٦ م) وولاية ولده الحدث الضعيف هشام المؤيد، تبدو طلائع ذلك الانقلاب الحاسم