للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها الفضة والرصاص والحديد والذهب والزئبق، والقصدير من أنحاء مختلفة، في الشمال والجنوب، فكانت الفضة والنحاس تستخرج في الشمال، وفي جهة قرطبة، وكورة تدمير، وكان الزئبق يستخرج من جبال البرانس، والقصدير بجهة أكشونبة من ولاية الغرب، وكان البللور يستخرج في منطقة لورقة، والرخام من جبل قرطبة وباغة ومن جبال سيرّا مورينا. وكانت تقوم إلى جانب الزراعة صناعات هامة، مثل صناعة النسيج والملابس والأثاث والفخار والزجاج والورق (١)، وكانت التجارة تزدهر في نفس الوقت داخل شبه الجزيرة، وخلال موانيها الشرقية والجنوبية ولاسيما مالقة وألمرية، وتجبي الدولة من المكوس التجارية، سواء على التجارة الداخلية أو الخارجية أو على السفن الصادرة والواردة مقادير عظيمة.

ولم تأت أوائل القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، في عصر عبد الرحمن ابن الحكم، حتى كانت إسبانيا المسلمة, قد بلغت مبلغاً عظيماً من الرخاء، وتضاعفت مواردها من الدخل القومي، وبلغت حصيلة الجباية من المكوس وحدها زهاء ألف ألف دينار في السنة، وبلغت في عهد عبد الرحمن الناصر من الكور والقرى خمسة آلاف وأربعمائة ألف وثمانين ألف دينار. وبلغت من المستخلص (وهي الأملاك السلطانية) سبعمائة ألف وخمسة وستين ألف دينار، وقد ذكرنا فيما تقدم، في موضعه، أن الناصر خلف عند وفاته في بيت المال عشرين مليوناً من الذهب، هذا عدا ما أنفقه من الأموال الطائلة في مختلف الغزوات، وفي مختلف المنشآت الباذخة التي أقامها، وفي مقدمتها مدينة الزهراء الملوكية، وهي مما يدل على ضخامة الموارد المالية للأندلس في عصر الخلافة.

وفي أيام المنصور بن أبي عامر، في أواخر عصر الخلافة، حققت موارد الدخل زيادة عظيمة، ووصل محصل الجباية وحده إلى أربعة آلاف ألف دينار (أربعة ملايين)، سوى رسوم المواريث وسوى مال السبي والغنائم، واستمرت هذه الزيادة في عهد ولده عبد الملك. ثم كان انهيار الدولة العامرية، وانهيار الخلافة الأموية، واضطرام الفتنة في كل مكان، فتحطمت موارد الدخل، وكسدت التجارة والصناعة، وغاضت أسباب الرخاء.


(١) راجع كتاب الأستاذ ليفي بروفنسال L'Espagne Musulmane aux Xème Siècle; p. ١٧٦, ١٨٣ & ١٨٤.، وكذلك نفح الطيب ج ١ ص ٧٨ و٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>