لما افتتح المسلمون الأندلس، كان الشعب الإسباني المغلوب، ما يزال يعيش في ظل بقايا النظم الرومانية، التي اتخذها القوط أساساً لتشريعاتهم ونظمهم الإدارية. وكان عبء الضرائب يقع معظمه على طبقات الشعب الدنيا، ولا يكاد يقع شىء منه على عاتق الأشراف ورجال الدين، ومن إليهم من الطبقات الممتازة. فلما افتتح المسلمون شبه الجزيرة، فرضت الضرائب على قاعدة المساواة دون تمييز بين طبقة وأخرى، وفرضت الجزية على من لم يعتنق الإسلام من أبناء الشعب المغلوب. وفي خلال الحقبة الأولى، التي تميزت باستمرار الغزوات الإسلامية، وما تقتضيه من حشد الجيوش المستمرة، لم تكن موارد القطر المفتوح قد حققت كلها واستغلت. وقد كان من الواضح منذ البداية أن القطر المفتوح قطر زراعي قبل كل شىء. وكان خراج الأرض الزراعية، والجزية، وأخماس الغنائم، هي المصادر الرئيسية للدخل، وقد ازدهرت الزراعة بالأخص عقب الفتح لما حدث من توزيع أفضل للأرض، وتحسين أحوال العاملين فيها، وكان يوسف الفهري آخر الولاة، أول من عدل نظام الضرائب القديم، ففرض على كل ولاية، أن تقدم ثلث الدخل، ورفع الجزية عمن توفوا من النصارى، وقسم الأندلس من الناحية الإدارية إلى خمس ولايات حسبما أسلفنا ذلك في موضعه. وكانت حكومة قرطبة الإسلامية تسيطر على أخصب وأغنى وديان شبه الجزيرة الإسبانية، وكان أهم المحاصيل الزراعية هي القمح والزيتون والفاكهة وغابات الأشجار الخشبية، وما تزال هذه المحاصيل إلى اليوم هي أهم موارد اسبانيا الزراعية. وكذا كان تربية الماشية مورداً من أهم موارد الدخل القومي.
ولما استقرت الأمور، واستطاع الفاتحون أن يضعوا أيديهم على موارد البلاد وثرواتها الطبيعية، وأن يستغلوها بمقدرة وذكاء، لم تبق الزراعة هي المورد الوحيد، وإن لبثت دائماً هي المورد الرئيسي. ذلك أن شبه الجزيرة الإسبانية، تضم ثروات متنوعة من المعادن، كانت تستغل منذ أيام الرومان، فكان يستخرج