الغزو والدفاع، وقد بلغت وحداته في عهد عبد الرحمن الناصر زهاء مائتي سفينة.
ومما تجدر ملاحظته أن الجيش الأندلسي، فد تلقى خلال عهد الفتنة الكبرى التي شملت سائر نواحي الأندلس، ولاسيما المنطقة الجنوبية، واستمرت تضطرم زهاء ستين عاماً، منذ عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن (٢٣٨ - ٢٧٣ هـ) كثيراً من الدربة والتجارب المريرة في معاركه المستمرة مع جيوش الثوار، وأضحى في أواخر هذه الحقبة في عهد عبد الرحمن الناصر، من حيث العدد والكفاية قوة لها خطرها. وقد بذل الناصر جهوداً عظيمة لإصلاح الجيش وتقويته، ومده بالأسلحة والعتاد الوفير. وعنى في الوقت نفسه بأمر الأسطول، فأنشأ له وحدات جديدة، وجعل مركزه الرئيسي ثغر ألمرية، وأنشأ بها أعظم دار للصناعة، وبلغ الأسطول الأندلسي في عهد الناصر، حسبما تقدم، زهاء مائتي سفينة مختلفة الأنواع والأحجام، وهذا عدا أسطول آخر خصص لشئون المغرب البحرية، وكان الأسطول الأندلسي يومئذ من أقوى الأساطيل، وكان يسيطر على مياه إسبانيا الشرقية والجنوبية.
وفي عهد المنصور بن أبي عامر، بلغ الجيش الأندلسي المرابط ذروة القوة والضخامة، وقد رأى المنصور أن يعتمد بالأخص في تكوين الجيش على حشود البربر، فاستقدمهم من العدوة، وبذل لهم الأعطية السخية، وكذلك حشد في جيشه كثيراً من المرتزقة النصارى، ومعظمهم من المستعربين رعايا الحكومة الأندلسية، واستطاع المنصور، بما بذله من جهود عنيفة متوالية، ومن أموال وفيرة، أن ينشىء للأندلس قوة عسكرية هائلة لم تعرفها الأندلس في أى عصر سابق, أو لاحق. وقد نقلت إلينا الرواية بعض أرقام عن الجيش الأندلسي المرابط في عهد المنصور، من ذلك أن الفرسان بلغ عددهم إثنتي عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات، تصرف لهم النفقة والسلاح والعلافة، وبلغ عدد الرجالة (المشاة) في الجيش المرابط ستة وعشرين ألف مقاتل. وكان عدد الجيش المرابط، يتضاعف وقت الصوائف مراراً بما ينضم إليه من صفوف المتطوعة، وقد بلغ عدد الفرسان في بعض الصوائف، ستة وأربعين ألفاً، وكان عدد المشاة يتضاعف أيضاً، وقد يعدو المائة ألف أو تزيد.