الجيوش، الجيش الضخم الذي حشده عبد الرحمن الغافقي لغزو مملكة الفرنج. وبالرغم من أن البربر كان لهم في إنجاح معظم الغزوات الشمالية أثر فعال، فإنهم كانوا أيضاً في بعض الأحيان عنصراً خطراً على سلامة الجيش، لما كان يسودهم في بعض الأحيان من البغض وعدم التعاون لقادتهم العرب. وكان أسطع مثل لذلك الخلاف المدمر، ما حدث في موقعة بلاط الشهداء (١١٤ هـ - ٧٣٢ م) من تخاذل البربر وتخلفهم عن القتال أمام الفرنج، وإرغامهم هيئة الجيش على الانسحاب بعد مقتل قائده البطل عبد الرحمن الغافقي. ولما قامت ثورة البربر في المغرب، وهزم العرب في منطقة طنجة، وعبرت فلول الجيش المنهزم وهم من الشاميين بقيادة بلج بن بشر القشيري إلى الأندلس، وذلك بدعوة الوالي ابن قطن، ليستعين بهم على مغالبة البربر في الأندلس، رجحت كفة العناصر العربية في الجيش مدى حين. ولكن جيش الأندلس ما لبث أن انقسم إلى قسمين، معسكر الشاميين وهم أنصار بلج، ومعسكر العرب والبربر المحليين. ولبثت الحرب الأهلية تضطرم حيناً، حتى قام يوسف بن عبد الرحمن الفهري فاستقر في ولاية الأندلس، وقام بإصلاح الجيش وتنظيمه، ليعود كما كان جيشاً أندلسياً، يضطلع بالغزو ورد هجمات نصارى الشمال.
وعنى عبد الرحمن الداخل بتنظيم الجيش أشد عناية، وحشد له المتطوعة والمرتزقة من سائر الطوائف. وبلغت قواته يومئذ نحو مائة ألف مقاتل. وهذا عدا الحرس الخاص، الذي يتكون من الموالي والبربر والرقيق، وقد بلغت قواته نحو أربعين ألفاً. ووضع عبد الرحمن الداخل أيضاً نواة الأسطول الأندلسي بما أنشأ من قواعد لبناء السفن في بعض الثغور النهرية والبحرية. ولكن بداية قيام الأسطول الأندلسي الفعلية ترجع إلى ما بعد ذلك بنحو نصف قرن، حينما فاجأ النورمانيون الأندلس بغزو الثغور الغربية، ثم بغزو إشبيلية، والفتك بأهلها.
وكان ذلك في سنة ٢٣٠ هـ (٨٤٣ م) في عهد عبد الرحمن بن الحكم، فعندئذ أدركت الحكومة الأندلسية وجوب العناية بأمر الأسطول والتحصينات البحرية وبدىء بإنشاء السفن الحربية. وكانت أكبر دور الصناعة لإنشاء السفن في مياه الوادي الكبير تجاه إشبيلية. ومن ذلك الحين يقوم الأسطول الأندلسي بدوره في شئون