للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعيسى بن دينار، ويحيى بن يحيى الليثي، وكان زياد بن عبد الرحمن عميد فقهاء الأندلس في وقته، وكان الأمير هشام بن عبد الرحمن يوقره ويجله لعلمه وورعه وزهده، وتوفي في سنة ٢٠٤ هـ (١). وكذا كان عيسى بن دينار، وأصله من طليطلة، وسكن قرطبة، عالماً راسخاً، وكان أستاذ الفتيا في وقته لا يتقدمه فيها أحد، وكان ممن اتجهت إليهم الريبة في ثورة الربض فهرب واستخفى حيناً، ثم عفا عنه الأمير الحكم وأمّنه، فعاد إلى قرطبة وتوفي سنة ٢١٢ هـ (٢). وأما يحيى بن يحيى الليثي فقد رحل كزميله إلى المشرق، وسمع من مالك، والليث ابن سعد، وعبد الله بن وهب وغيرهم، وعاد إلى الأندلس ليشغل بين فقهائها مركز الصدارة، وكان ذهناً حراً يعتز بحريته واستقلاله، فلم يل قضاءً، ورفض كل دعوة إلى توليه، وتوفي في سنة ٢٣٤ هـ (٣). وعلى يد أولئك الفقهاء والرواد، ذاع مذهب مالك بالأندلس منذ عصر هشام. وكان هشام نفسه كثير الإجلال لمالك ومذهبه، فزاد ذلك في ذيوع المذهب، وفي تمكين مكانته بالأندلس. وكان هذا بداية لنفوذ الفقهاء في شئون الدولة، وهو نفوذ اشتد فيما بعد، وكان له أثر عميق في تحريك القوى المعارضة، التي انتهت باضطرام ثورة الربض ضد الحكم بن هشام، في سنة ٢٠٢ هـ (٨١٨ م)، وذلك حسبما أوضحنا في موضعه.

وفي عصر الحكم بالذات، تتخذ الحركة الفكرية طابعاً أوسع أفقاً، وتظهر طوالع النزعة الأدبية إلى جانب العلوم الدينية، ويظهر الأدباء والشعراء إلى جانب الفقهاء والمحدثين. وكان في مقدمة من ظهروا في تلك الفترة عبد الملك ابن حبيب بن سليمان السلمي، وأصله من إلبيرة وسكن قرطبة، ثم رحل إلى المشرق وسمع الكثير من علمائه. ولما عاد إلى الأندلس عمل مشاوراً مع يحيى ابن يحيى، وسعيد بن حسان، وكان حافظاً للفقه على مذهب المدنيين، بيد أنه كان إلى جانب الفقه، بارعاً في النحو والعروض والشعر، حافظاً للأخبار والأنساب والأشعار، متصرفاً في عدة فنون. وكتب عدة مؤلفات في الفقه والتاريخ منها " الواضحة " و" الجوامع " وكتاب في " فضائل الصحابة "، وكتاب في " غريب الحديث "، وكتاب " حروب الإسلام "، وكتاب " طبقات


(١) راجع علماء الأندلس لابن الفرضي (مصر) رقم ٤٥٨.
(٢) راجع علماء الأندلس رقم ٩٧٥.
(٣) جذوة المقتبس للحميدي (مصر) رقم ٩٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>