للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عصر عبد الرحمن بن الحكم، بلغت الحركة الفكرية الأندلسية الأولى ذروتها، ففي ميدان الكتابة احتشد في بلاط الحكم عدة من أكابر الكتاب المبرزين، وفي مقدمتهم الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث، ومحمد ابن سليمان الزجّالي، وفي ميدان العلوم الدينية ظهر في عهد عبد الرحمن، جمهرة من أكابر الفقهاء، مثل محمد بن يوسف بن مطروح، ومحمد بن حارث، وعبد الأعلى بن وهب، وبقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضاح، وغيرهم، وكان عميد هذه الجمهرة من الفقهاء بقي بن مخلد، وهو من أهل قرطبة، ودرس على علماء الأندلس وإفريقية، وبرع في الحديث والرواية، ويمكننا أن نعتبره رائد علم الحديث في الأندلس. وقد أنكر عليه بعض خصومه ما أدخله من كتب الاختلاف وغريب الحديث بالأندلس، ووشوا به للأمير محمد بن عبد الرحمن. وقد أشرنا فيما تقدم إلى ما كان من مناظرته لخصومه، وإلزامهم الحجة، وإلى ما حباه به الأمير من عطفه وحمايته، وقد كان ذلك من أسباب انتشار الحديث بالأندلس.

ولبقي بن مخلد عدة مؤلفات فقهية. وله تفسير للقرآن ومسند للنبي، وينوه العلامة ابن حزم في رسالته بعلم بقي وأهمية كتبه، ويقول لنا إن تفسيره للقرآن لم يؤلف في الإسلام مثله (١). وسمع على بقي جمهرة من فقهاء الأندلس، وكان ورعاً زاهداً، وتوفي سنة ٢٧٦ هـ (٢).

وكان من أعلام الفقهاء في هذا العصر، محمد بن عبد السلام الخشني وهو من أهل قرطبة، ورحل إلى المشرق وسمع، في البصرة وبغداد ومصر، وكان فصيحاً جزل البيان، بارعاً في اللغة، ورواية الحديث، وكان أنوفاً منقبضاً عن السلطان، وقد رفض أن يتولى القضاء للأمير محمد بن عبد الرحمن، وتوفي في سنة ٢٨٦ هـ (٣).

وقد سبق أن أشرنا إلى ما كان يتمتع به الأمير عبد الرحمن بن الحكم من المواهب الأدبية والشعرية، وأوردنا فيما تقدم طرفاً من شعره. وكان من ألمع شعراء عصره، صديقه وشاعره عبد الله بن الشمر بن نمير، وهو من أهل وشقة، وكان


(١) راجع رسالة ابن حزم عن علماء الأندلس في نفح الطيب ج ٢ ص ١٣١.
(٢) راجع ابن الفرضي رقم ٢٨٣.
(٣) ترجمته في ابن الفرضي رقم ١١٣٤. وهو غير محمد بن حارث الخشني صاحب " قضاة قرطبة " المتوفى سنة ٣٦١ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>