رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع ... وقد راعني يوم من الحشر أروع
غداة كان الأفق سد بمثله ... فعاد غروب الشمس من حيث تطلع
فلم أدر إذ ودعت كيف أودع ... ولم أدر إذ شيعت كيف أشيع
ألا إن هذا حشد من لم يذق له ... غرار الكرى جفن ولا بات يهجع
إذا حل في أرض بناها مدائنا ... وإن سار عن أرض غدت وهي بلقع
تحل بيوت المال حيث محله ... وجم العطايا والرواق المرفع
رحلت إلى الفسطاط أول رحلة ... بأيمن فأل في الذي أنت تجمع
فإن يك في مصر ظمأ لمورد ... فقد جاءهم نيل سوى النيل يهرع
ويمنهم من لا بغار بنعمة ... فيسلبهم لكن يزيد فيوسع
وكان من أعلام الشعر في عصر الناصر أيضاً الوزير جعفر بن عثمان المصحفي، الذي تولى الحجابة فيما بعد لولده الحكم المستنصر، وتوفي في سنة ٣٧٢ هـ في سجن الزهراء، ضحية لمنافسه القوى محمد بن أبي عامر المنصور. وقد أوردنا من شعره فيما تقدم في غير موطن.
وظهر في عصر الناصر عدد من أكابر الكتاب البلغاء، في مقدمتهم كاتب الناصر الأثير عبد الله بن محمد الزجّالي، وهو الذي أنشأ عن لسانه البيان الخاص بمروق ابن مسرة الذي سبقت الإشارة إليه.
وكان الناصر نفسه عالماً أديباً، يهوى الشعر وينظمه، ويقرب الأدباء والشعراء. وكان في مقدمة شعراء دولته وآثرهم لديه الفقيه ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، وذلك حسبما أشرنا في موضعه.
وظهر في عهد الناصر عدة من أعلام المؤرخين الذين وضعوا أسس الرواية الأندلسية. أولهم أحمد بن محمد بن موسى الرازي، وقد ولد الرازي سنة ٢٧٤ هـ وتوفي سنة ٣٤٤ هـ. ومن تصانيفه " أخبار ملوك الأندلس وخدمتهم وغزواتهم ونكباتهم "، وكتاب " الإستيعاب في أنساب أهل الأندلس "، وكتاب في " صفة قرطبة وخططها ومنازل الأعيان بها ". وقد كانت رواية الرازي مستقى خصباً لمؤرخي الأندلس، وفي مقدمتهم عميدهم ابن حيان.
وظهر قرينه ومعاصره ابن القوطية، وهو أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن عيسى بن مزاحم؛ ويعرف بابن القوطية لانتسابه بطريق النسب إلى