ولاء مريب قلَّب. وتركت بعد اختفائها من الميَدان القوتين الأخريين، وهما البربر والعصبية العربية، وجهاً لوجه.
واستطاع البربر بزعامة بني حمود، أن يسيطروا زهاء ثلث قرن، على المثلث الجنوبي في شبه الجزيرة الإسبانية، وأن يقيموا لهم ملكاً وخلافة، آناً بقرطبة وإشبيلية، ثم بمالقة والجزيرة. وكانت إمارة باديس بن حبوس الصنهاجي بغرناطة، تحمي الجناح الشمالي الغربي، لتلك الخلافة البربرية، فلما انتهت دولة بني حمود سنة ٤٤٩ هـ (١٠٥٧ م) كان البربر أثناء ذلك، وبعد أن خسروا معركة قرطبة، قد بسطوا سلطانهم على معظم القواعد الواقعة جنوبي نهر الوادي الكبير، وامتداده لنهر شنيل، مثل قرمونة وإستجة ومورور، وأركش، ورندة، ومالقة، وأن ينتزعوا الرياسة في نفس الوقت، في بعض المناطق الشرقية والغربية الشمالية، على نحو ما نفصل بعد.
وأسفر النضال بين هذه القوى الخصيمة، بعد فوز البربر برياسة المناطق التي سبق ذكرها، عن فوز الأسر العربية، بمعظم القواعد الأندلسية الكبرى، مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة وبلنسية ومرسية وألمرية. واستطاع الفتيان العامريون أن يبسطوا سلطانهم على معظم المناطق الشرقية وعلى ألمرية لفترة قصيرة.
- ٢ -
وأضحت الأندلس في أواخر النصف الأول من القرن الخامس الهجري، تقدم إلينا ذلك المنظر المدهش الذي أشرنا إليه فيما تقدم: منظر الصرح الشامخ، الذي انهارت أسسه، وتصدع بنيانه، وقد اقتصت أطرافها، وتناثرت أشلاؤها، وتعددت الرياسات في أنحائها، لا تربطها رابطة، ولا تجمع كلمتها مصلحة مشتركة؛ لكن تفرق بينها بالعكس، منافسات وأطماع شخصية وضيعة، وتضطرم بينها حروب أهلية صغيرة، والأندلس خلال ذلك كله تفقد مواردها وقواها القديمة تباعاً، ويحدق بها خطر الفناء من كل صوب.
هذه الدول الصغيرة، المتخاصمة المتنابذة، التي قامت على أنقاض الدولة الأندلسية الكبرى، تعرف بدول الطوائف، ويعرف رؤساؤها بملوك الطوائف وهم ما بين وزير سابق، وقائد من ذوي النفوذ والصحب، وحاكم لإحدى المدن، وشيخ للقضاء، وزعيم من ذوي المال والحسب. وقد ظهروا جميعاً إبان