وخصومهم من الصقالبة، في القصر وفي الحكومة. وكان بنو أمية يميلون إلى الصقالبة مواليهم القدماء، ويكرهون البربر، إذ كانوا سنداً للمنصور في استلاب سلطانهم، وكانت البطون العربية تكره هؤلاء وهؤلاء، ولكنها ترى في البربر خصمها الأساسي، وهو من آثار الخصومة القديمة، التي لبثت تضطرم بين العنصرين منذ عصر الفتح.
وهكذا اجتمعت هذه العوامل لتحدث أثرها في الوقت الملائم، واجتمعت في ظلها العناصر الناقمة من سائر الطبقات. فلما وقع الانفجار، وانهارت دعائم الطغيان العامري، ظهرت في ميدان النضال ثلاث قوى: بنو أمية يلتفون حول علم خلافتهم وتراث بيتهم المغصوب. وطوائف البربر تحاول الاحتفاظ برياستها وامتيازاتها. والأسر العربية التي اضطهدت وأبعدت عن الميدان، تحاول استرداد مكانتها وزعامتها القديمة. وظهرت إلى جانب هذه القوى الثلاث، طائفة أقل شأناً، ولكنها استطاعت أن تنتزع نصيبها من أسلاب السلطة، وهي طائفة الفتيان الصقالبة أو الفتيان العامريين.
ولم يصمد بنو أمية في ميدان النضال طويلا. ذلك أنه لم تكن لهم، بعد العوامل الأدبية، التي جمعت بعض طوائف الشعب تحت لوائهم، قوة مادية يعتد بها، ومن ثم فإنه لم تمض بضعة أعوام (٣٩٩ - ٤٠٧ هـ) تولى الخلافة خلالها محمد ابن هشام المهدي، فسليمان المستعين، فهشام المؤيد، ثم سليمان للمرة الثانية، حتى استطاع بنو حمود البربر أن ينتزعوا الخلافة، وأن يتزعموا حكومة قرطبة لفترة قصيرة. ثم تطورت الحوادث بسرعة، وعاد بنو أمية فاستردوا الخلافة، وحكموا في قرطبة عدة أعوام أخرى (٤١٤ - ٤٢٢ هـ)، وتولى الخلافة منهم المرتضى. فالمستظهر. فالمستكفي بالله. فهشام المعتد بالله، وهو آخرهم. وبخلعه في أواخر سنة ٤٢٢ هـ (١٠٣١ م) تختتم الدولة الأموية رياستها في الأندلس بصورة نهائية، بعد أن دامت منذ قيام عبد الرحمن الداخل في سنة ١٣٨ هـ (٧٥٦ م) مائتين وأربعة وثمانين عاماً.
وهكذا اختفت القوة الأولى - أعني بني أمية - من ميدان النضال بسرعة، وقد كان واضحاً منذ البداية، أنها لم تكن قوة ذات شأن، ولم تكن سوى رمز تحيط به هالة باهتة من الجلال القديم، ومن الاعتبارات الشرعية والأدبية.
ولم تحقق ظفرها القصير المضطرب، إلا بالاعتماد على قوى وعناصر أخرى، ذات