للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأسباب كبار الأمراء المنتزين في البلاد عليهم، وسبب انتقاض دولهم، حال فحال بأيديهم، ومشهور سيرتهم وأخبارهم، وما جرى في مددهم وأعصارهم، من الحروب والطوائل، والوقائع والملاحم، إلى ذكر مقاتل الأعلام والفرسان، ووفاة العلماء والأشراف، حسب ما انتهت إليه معرفتي ونالته طاقتي " (١).

ونستطيع القول بأن تمزق الأندلس على هذا النحو، كان ضربة، لم تنهض الأندلس من آثارها قط، بل كان بداية عهد الانحلال الطويل الذي لبثت تتقلب فيه بعد ذلك زهاء أربعة قرون أخرى. وبالرغم من أن عهد الطوائف الحقيقي لم يطل أكثر من سبعين عاماً، وبالرغم من أن الأندلس، قد التأم شملها بعد ذلك في ظل المرابطين ثم الموحدين من بعدهم، وبالرغم من أنها استطاعت أن تسترد تفوقها العسكري القديم في شبه الجزيرة الإسبانية في فترات قصيرة: بالرغم من ذلك كله، فإن الأندلس لم تستطع أن تسترد وحدتها الإقليمية القديمة، ولا تماسكها القديم قط، بل لبثت بالعكس، خلال صراعها الطويل مع اسبانيا النصرانية، تفقد قواها ومواردها تباعاً، وتنكمش رقعتها الإقليمية تدريجياً. حتى إذا كان منتصف القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، رأينا رقعة الوطن الأندلسي، ترتد إلى ما وراء نهر الوادي الكبير، وتنحصر في مملكة غرناطة الصغيرة، ورأينا قواعد الأندلس القديمة الكبرى مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة وبلنسية ومرسية وغيرها، تغدو مدناً إسبانية نصرانية، ويغدو ميزان القوى في شبه الجزيرة الإسبانية بيد مملكة قشتالة الكبرى.

- ٣ -

والواقع أن تاريخ الطوائف، يبدأ منذ سقوط الدولة العامرية، في نهاية المائة الرابعة. ذلك أن قيام الخلافة الأموية، خلال الفترة القصيرة التي عاشتها في أعقاب الفتنة، لم يكن سوى حادثاً محلياً، ولم يتعد أثره الفعلي قرطبة وأرباضها.

وقد رأينا كيف استطاعت الدولة الحمُّودية، أن تقيم سلطانها في نفس الوقت في قرطبة وإشبيلية ثم مالقة والجزيرة، وكيف قامت كذلك دولة بني مناد البربرية في غرناطة، وسيطرت عناصر أخرى من البربر، في معظم القواعد الأندلسية الواقعة جنوبي الوادي الكبير. وإلى جانب هذه الدول البربرية، التي قامت منذ أوائل المائة


(١) نقله ابن بسام في الذخيرة (القسم الأول - المجلد الثاني ص ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>