الخامسة، كانت ثمة دول أو دويلات عديدة أخرى، تتكون تباعاً في معظم قواعد الأندلس الأخرى الشرقية والغربية والوسطى، في الوقت الذي كانت تقوم فيه خلافة قرطبة، بيد أنها لم تنزع ولاءها الرسمي للحكومة المركزية، ولم تتخذ طابعاً واضحاً من الاستقلال المحلي، إلا بعد سقوط الخلافة النهائي.
ونحن إذا ألقينا نظرة على الخريطة، ألفينا رقعة الوطن الأندلسي الكبرى، وقد انقسمت عقب الفتنة من الناحية الإقليمية إلى ست مناطق رئيسية: الأولى منطقة العاصمة القديمة قرطبة وما إليها من المدن والأراضي الوسطى، والثانية منطقة طليطلة أو الثغر الأوسط، والثالثة إشبيلية وغربي الأندلس وما إليها من الأراضي حتى المحيط الأطلنطي، والرابعة غرناطة وريُّه والفرنتيرة، والخامسة منطقة شرقي الأندلس أو منطقة بلنسية وما إليها شمالاً وجنوباً، والسادسة منطقة سرقسطة والثغر الأعلى. وهذا كله إلى عدد كبير من المدن والقواعد الأندلسية التي استقلت بنفسها، واعتبرت إمارات قائمة بذاتها داخل منطقة، أو أخرى، ثم اختفت تباعاً بالانضمام أو الخضوع إلى إحدى الإمارات الأخرى.
وهكذا نجد أن كل منطقة من المناطق المشار إليها، تضم من الناحية الإقليمية إمارة أو أكثر من إمارات الطوائف، وتختلف من حيث الرقعة، والأهمية السياسية، والعسكرية، والاجتماعية.
وإذا لم تكن قرطبة، من حيث رقعتها الإقليمية، ومواردها الاقتصادية والعسكرية، أهم دول الطوائف، فقد كانت من الناحية الأدبية بين دول الطوائف ذات أهمية خاصة، نظراً إلى كونها كانت مقر الخلافة، وقاعدة الحكومة المركزية، وفي وسعها من الناحية الأدبية أيضاً، أن تدعى الولاية - الاسمية على الأقل - على باقي الإمارات والمدن الأندلسية الأخرى، وهو ما ادعته حكومة قرطبة المحلية بالفعل. ومن ثم فقد رأينا لهذه الاعتبارات الأدبية والتاريخية، أن نبدأ الحديث عن دول الطوائف بالكلام عن إمارة قرطبة.