مواجهة الأزمات وصون المدينة من شر الدمار والفوضى، ليتولى الحكم وتدبير الأمور في تلك الآونة العصيبة. وهكذا اختير ابن جهور، بإجماع الرأي، للاضطلاع بتلك المهمة الدقيقة.
وينتمي ابن جهور إلى بيت من أعرق بيوتات الموالي الأندلسية. وهو أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبيد الله بن أحمد بن محمد، وكان جدهم الداخل إلى الأندلس، يوسف بن بخت بن أبي عبدة الفارسي، مولى عبد الملك بن مروان.
دخل في كنف الطالعة البلجية، وكان من أنصار عبد الرحمن الداخل، ثم ولاه عبد الرحمن حجابته، ثم تولى القيادة في عهد ولده هشام. وتولى أبناؤه بعد ذلك مناصب الوزارة والقيادة تباعاً في ظل أمراء بني أمية وخلفائهم. فتولى حفيده عبد الملك بن جهور الوزارة للأمير عبد الله بن محمد، ثم كان من وزراء الناصر لدين الله. وتولى ولده جهور بن عبد الملك البختي أيضاً الوزارة في عهد الناصر.
ووليها كذلك في أواخر عهد الناصر، ولداه مروان بن جهور بن عبد الملك، ومحمد بن جهور بن عبد الملك. ومحمد هذا، هو أبو الوليد، هو والد أبي الحزم جهور، وقد تولى الوزارة أيضاً، في عهد المنصور بن أبي عامر. ثم تولى ولده أبو الحزم جهور الكتابة لعبد الرحمن المنصور في نهاية المائة الرابعة، حتى كانت الفتنة وانهيار الدولة العامرية، عاصر الحوادث والانقلابات العاصفة، التي شهدتها عاصمة الخلافة من ذلك الحين. وتولى خلال ذلك الوزارة لعلي بن حمود مؤسس الدولة الحمودية. وقد نقم عليه واعتقله وصادر أمواله. ولما ثار أهل قرطبة بعد ذلك ببني حمود وأنصارهم من البربر، كان عميدهم في ذلك حسبما تقدم هو أبو الحزم جهور. وكان جهور خلال ذلك كله يتمتع بمكانة بارزة في الزعامة الشعبية، حتى غدا في نهاية الأمر "شيخ الجماعة"، وزعيم المدينة الحقيقي. وكان كثيراً ما يؤثر برأيه في تطور الشئون والأحوال، في تلك الأعوام الأخيرة، التي كانت تحتضر فيها خلافة قرطبة، وتسير سراعاً إلى نهايتها المحتومة.
وألفى جهور نفسه، بعد أن أجمع الشعب على اختياره، رئيساً لحكومة قرطبة الجديدة. وكانت هذه الحكومة التي قامت على أنقاض الخلافة الأموية، تبسط سلطانها على رقعة متوسطة من الأندلس، تمتد شمالا حتى جبل الشارّات (سيرا مورينا)، وشرقاً حتى منابع نهر الوادي الكبير. وغرباً حتى قرب إستجة