للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجنوباً حتى حدود ولاية غرناطة، وتشمل من المدن عدا قرطبة، جيان وأبَّدَة وبيّاسة والمدور وأرجونة وأندوجر.

بيد أن جهور كان رئيس حكومة من نوع خاص، فإنه لم ينفرد بالرياسة ولم يستأثر بتدبير الأمور والبت فيها، ولكنه جمع حوله صفوة الزعماء والقادة، يتحدث باسمهم، أو باسم "الجماعة"، ويرجع إليهم في الأمور، ويصدر القرارات باسمهم؛ فإذا طُلب منه مال أو مضاء أمر من الأمور، قال ليس لي عطاء ولا منع إنما هو "للجماعة"، وأنا أمينهم، وإذا رابه أمر عظيم، أو اعتزم تدبير مسألة كبيرة، استدعاهم وشاورهم، وإذا خوطب بكتاب، لا ينظر فيه إلا أن يكون باسم الوزراء وهكذا كان جهور يتحدث في كل أمر، ويمضي كل أمر لا باسمه، ولكن باسم الجماعة. وقرن جهور ذلك كله بإجراء بارع آخر، هو أنه لم يفارق رسم الوزارة ولم ينتقل من داره إلى قصور الخلفاء، واكتفى بأن رتب عليها الحجاب والحشم، على ما كانت عليه أيام الخلافة، وجعل نفسه ممسكاً للوضع إلى أن يجىء مستحق يتفق عليه فيسلم إليه، وجعل ما يرتفع من الأموال السلطانية بأيدي رجال رتبهم لذلك وهو المشرف عليه (١)، ولم يتخذ أي عنوان أو إجراء يبرز رياسته، أو يحيط نفسه بأي مظهر من مظاهر الأبهة والفخامة، بل لبث على سابق رسمه، من الانزواء والتواضع، والقناعة وخفض الجناح، ومعاملة الجميع بالرفق والحسنى.

وقد عُرفت هذه الحكومة الفريدة في صحف التاريخ الإسلامي "بحكومة الجماعة". وسواء أكان الباعث لدى الوزير جمهور في إقامتها على هذا النحو، يرجع إلى ضرب من بعد النظر والدهاء البارع، يحاول به جمع الكلمة، واتقاء منافسة الزعماء الأقوياء، أم كان راجعاً حقاً إلى محبته للشورى والتضامن؛ فإنها كانت بلا ريب نموذجاً بديعاً من حكم الشورى أو حكم الأقلية الأرستقراطية، في عصر سادت فيه نزعة الرياسة الفردية والحكم المطلق. وكان من أبرز مزاياها أن يستطيع الرئيس أن يتنصل من المسؤولية، وأن يستظل بلواء الجماعة، إذا ما ساءت الأمور، وأن يحرز الثناء وجميل الذكر، إذا حسنت العواقب.

ويمكننا أن نتبين ملامح هذا النوع من حكم "الجماعة" أو حكم الأقلية الأرستقراطية الذي ابتدعه أبو الحزم بن جهور، في بعض الحكومات التي قامت


(١) راجع جذوة المقتبس للحميدي (مصر) ص ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>