للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقرن ذلك "بالبخل الشديد، والمنع الخالص، الذي لولاهما ما وجد عائبه فيه طعناً، ولكمل لو أن بشراً يكمل" (١).

واستمرت حكومة الجماعة هذه برياسة أبي الحزم جهور تدبر الأمور في قرطبة وأراضيها، زهاء اثنتى عشرة عاماً، وقد سادت بها السكينة والدعة والأمن، وجهور لا يتحول عن خطته في التزام المسالمة والتواضع والتقشف، والشعب القرطبي يؤيده بطاعته ومحبته. وكانت قرطبة في أيامه ملاذ الزعماء اللاجئين والرؤساء المخلوعين، وكان من هؤلاء عبد الله بن سابور صاحب أشبونة من أعمال الغرب، حينما انتزعها منه ابن الأفطس صاحب بطليوس، فإنه لجأ إلى قرطبة، وأقام بها آمناً في كنف جهور، وكذلك عبد العزيز البكرى صاحب ولبة وجزيرة شلطيش، فإنه التجأ إليها فيما بعد، حينما حاصره ابن عباد ونزعه سلطانه، والتجأ إليها كذلك القاسم بن حمود صاحب الجزيرة الخضراء حين استولى عليها ابن عباد (٢).

وكان للرئيس جهور موقف خاص من أسطورة ظهور هشام المؤيد بالله وإعلانها على يد القاضي ابن عباد صاحب إشبيلية. ذلك أن ابن عباد، حينما شعر بخطورة مطامع بني حمود في رياسة جنوبي الاندلس، واتشاحهم بثوب الخلافة، وحينما أرهقه يحيى بن علي بن حمود (المعتلي) بغاراته المتوالية، رأى أن يدحض دعاوي أولئك الحمُّوديين، فأعلن في سنة ٤٢٦ هـ، أن الخليفة هشام المؤيد، حي لم يمت، وأظهر بالفعل شخصاً يشبه هشاماً كل الشبه، وبايعه بالخلافة ودعا الناس للدخول في طاعته، وبعث بذلك إلى رؤساء الأندلس، فاستجاب بعضهم للدعوة، وكان منهم عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، ومجاهد العامري صإحب دانية والجزائر الشرقية، والوزير أبو الحزم بن جهور رئيس قرطبة.

وعقدت البيعة في قرطبة بالفعل لهشام المؤيد. والظاهر أن جهوراً لم يكن يؤمن حقاً بصحة هذه الدعوى، ولكنه استجاب لها، وأقرها لنفس البواعث التي حملت ابن عباد على انتحالها، وهو العمل على دفع خطر الحموديين. ويقال إن جهوراً فوق ذلك، قد اصطنع شهادات لتأييد صحتها. بيد أنه ندم على ذلك فيما بعد، حينما طلب إليه ابن عباد أن يدخل في طاعته، وأعلن تبرؤه من ذلك الدعى (٣).


(١) الذخيرة القسم الأول - المجلد الثاني ص ١١٦ و ١١٧.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٢١٣ و ٢٣٧ و ٣٤٠.
(٣) البيان المغرب ج ٣ ص ١٩٠ و ١٩٨ و ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>