إلى تقسيم السلطة بين ولديه، فخص أكبرهما عبد الرحمن بالنظر في أمر الجباية، والإشراف على أهل الخدمة، وفي التوقيع في الصكوك السلطانية، والدخل والخرج وجميع أبواب النفقات؛ وخص عبد الملك بالنظر في شئون الجند، والإشراف على أعطيتهم، وتجريدهم في البعوث وجميع ما يخصهم، وارتضى الأخوان هذا الحل.
بيد أن عبد الملك لم يلبث أن غلب على أخيه عبد الرحمن، وسجنه في منزله واستبد بالأمر دونه؛ وخلا الجو لعبد الملك، وأطلق العنان لسلطانه وأهوائه، واستولى صحبه من الأوغاد والسفلة، على أزمة الحكم، وبدأ الشعب القرطبي ينصرف عن آل جهور. كل ذلك والرئيس الشيخ أبو الوليد ملتزم داره لشلل أقعده. وكان عبد الملك يعتمد في مشاريعه وتحقيق خططه، على مصادقة ابن عباد وتشجيعه، وقد زاره في إشبيلية، فبالغ ابن عباد في إكرامه والتودد إليه، وكان عبد الملك يظن أنه يستطيع الاعتماد على صداقته ومحالفته، ضد أطماع بني ذى النون أصحاب طليطلة، ومشاريعهم للاستيلاء على قرطبة، ولم يكن يدور بخلده أن بني عباد يضمرون ضده مثل هذه المشاريع.
وأخيراً تكشفت الأمور، وخرج المأمون يحيى بن ذى النون في قواته من طليطلة، قاصداً غزو قرطبة، واستولى في طريقه على حصن المدوّر الواقع غربي قرطبة. وكان المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية قد توفي سنة ٤٦١ هـ، وخلفه ولده المعتمد، فسار على سياسة أبيه من إبداء المودة والتحالف لبني جهور. فلما شعر عبد الملك بالخطر الداهم، استغاث بحليفه ابن عباد، فبعث إليه المعتمد بالمدد من الفرسان تحت إمرة قائديه خلف بن نجاح ومحمد بن مرتين، فنزلا بالربض الشرقي من قرطبة. وأشرف ابن ذى النون بجنده على المدينة، فألفاها قد استعدت لقتاله بقوات لا قبل له بها، فارتد أدراجه محنقاً، بعد قتال يسير. وكان قد وقع الاتصال أثناء ذلك بين قائدي جيش إشبيلية وبين بعض الناقمين من زعماء قرطبة.
في التخلص من بني جهور، والانضواء تحت ظل بني عباد، والظاهر أيضاً أن كانت لدي القائدين أوامر سرية بتدبير الخطة للاستيلاء على المدينة، وعلى أي حال فإنه ما كاد ابن ذى النون يرتد بقواته، حتى تظاهر القائدان بأنهما يزمعان العودة، وسارا في بعض قواتهما إلى وداع عبد الملك بباب المدينة، وعندئذ