للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتحم العباديون الأبواب وملكوها، ودخلوا المدينة واحتلوها، وعاثوا في أنحائها نهباً وهتكاً وسبياً، وكان ذلك في شعبان سنة ٤٦٢ هـ (١٠٧٠ م). وأدرك عبد الملك مبلغ خديعته، وأيقن أن النهاية قد حلت، فطلب الأمان لنفسه وذويه، فاعتقل وأخوه عبد الرحمن وسائر الأهل والولد، وأرسلوا في الحال إلى إشبيلية، ثم اعتقل أبوهما، الشيخ المريض المقعد أبو الوليد بن جهور ومن معه، ونفي الجميع إلى جزيرة شلطيش، الواقعة في مصب نهر أراد تجاه ولبة، وهناك توفي ابن جهور الشيخ لأربعين يوماً فقط من نكبته وسقوط دولته.

وهكذا انتهت دولة بني جهور بقرطبة، بعد أن لبثت أربعين عاماً. وكانت أول دولة تسقط من بين دول الطوائف الرئيسية. وكانت دولة نموذجية، ولاسيما في عهد مؤسسها الوزير أبي الحزم بن جهور. وكانت تتمتع بين دول الطوائف بمركز أدبي خاص، وتتخذ في أحيان كثيرة مركز الوسيط والحكم، وتعمل بهيبتها وهيبة رئيسها الوزير المحنك، على فض المنازعات وإقرار السلم بين الأمراء. ومن ذلك ما بذله أبو الحزم من المساعي المتكررة لحسم النزاع بين المعتضد ابن عباد والمظفر بن الأفطس، حينما نشب القتال بينهما بشأن لبلة التي هاجمها ابن عباد، واستغاث صاحبها ابن يحيى بصديقه المظفر، وقد كاد الأمر بينهما يتطور إلى فتنة هوجاء لولا تدخل أبي الحزم ونصحه المتكرر (١).

وندب المعتمد بن عباد ولده الفتى عباداً الملقب بالظافر وسراج الدولة لحكم قرطبة، التي يتصل تاريخها من ذلك الحين بتاريخ مملكة إشبيلية.

وقد تناول ابن حيان، وكان حسبما تقدم من وزراء عبد الملك بن جهور، وشهد بنفسه سائر هذه الحوادث، مأساة سقوط الدولة الجهورية، في كتاب خاص سماه "البطشة الكبرى" يمتاز بقوته وبلاغته (٢).

ولما فشل مشروع المأمون بن ذى النون في افتتاح قرطبة، واستولت عليها


(١) أعمال الأعلام ص ١٥١: والبيان المغرب ج ٣ ص ٢١٠. وراجع في أخبار دولة بني جهور: الذخيرة القسم الأول المجلد الثاني ص ١١٤ - ١٢٦، والبيان المغرب ج ٣ ص ١٨٥ - ١٨٧ و ٢٠٩ و ٢١٠ و ٢٥٩ - ٢٦١، وأعمال الأعلام ص ١٤٥ - ١٥١، والحلة السيراء (ليدن) ص ١٦٨ - ١٧٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٥٩.
(٢) الذخيرة القسم الأول المجلد الثاني ص ١٢٩، وأعمال الأعلام ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>