وإذا كنا سوف نخص مملكة إشبيلية بالحديث فيما يلي، فإن هذا الحديث سوف يكون مشعباً متعدد النواحي، وسوف يمتد إلى إمارات ودول أخرى، ليس فقط داخل منطقة الغرب أو غربي الأندلس، التي كانت تسيطر عليها مملكة إشبيلية، ولكن إلى مناطق وممالك رئيسية أخرى.
- ١ -
بدأت جذور مملكة إشبيلية مبكرة، منذ انهيار الدولة العامرية في نهاية المائة الرابعة. وفي الوقت الذي كانت تضطرم فيه عاصمة الخلافة قرطبة، بالفتن والانقلابات المتعاقبة، كان قاضي إشبيلية أبو الوليد اسماعيل بن عباد، يعمل في هدوء وصمت، على جمع خيوط الرياسة في يده، وعلى الاستئثار بحكم المدينة العظيمة، التي تركت كباقي القواعد الأخرى لمصيرها.
كان اسماعيل بن عباد يتولى خطة القضاء بإشبيلية منذ أيام المنصور بن أبي عامر، وكان فضلا عما يمتاز به من العلم والحكمة والورع، ينتمي إلى بيت من أعظم البيوتات العربية الأندلسية. فلما وقعت الفتنة وسادت الفوضى كل ناحية من نواحي الأندلس، استمر إسماعيل في خطة القضاء، وأخذ في نفس الوقت يعمل على حفظ النظام، وضبط الأمور في المدينة. وكان علي بن حمود حينما دخل قرطبة وتولي الحكم بها سنة ٤٠٧ هـ، تولي أخوه القاسم حكم إشبيلية، وبقي ابن عباد على حاله في منصب القضاء. ولما قتل علي بن حمود، تولي أخوه القاسم مكانه في الخلافة في قرطبة، وخلا الجو ثانية لابن عباد. وكان في خلال الفترة التي كانت فيها خلافة الحموديين تتردد بين قرطبة وإشبيلية، وما تخللها من الأحداث المتوالية، يعمل على توطيد مركزه وتدعيم رياسته، ويعمل بالأخص على حماية المدينة من أطماع البربر وعيثهم، ويجمع حوله كلمة الزعماء حتى لا تغدو إشبيلية كما غدت قرطبة مسرحاً للفتنة، ومرتعاً لأطماع البربر. وقد وفق في خطته كما سنرى أعظم توفيق.
ويجدر بنا قبل أن نتحدث عن عهد بني عباد أمراء إشبيلية، أن نذكر كلمة عن أصلهم، وأوّليتهم.
كان بنو عباد، وفقاً لأقوال علماء النسب، ينتمون إلى لخم. ومؤسس دولتهم ومنشىء مجدهم، هو القاضي أبو القاسم محمد بن اسماعيل بن قريش بن عباد