ابن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عِطاف بن نعيم. وعطاف هو جدهم الداخل إلى الأندلس في طالعة بَلْج بن بشر القشيري. وأصله من أهل حمص الشام، لخمي النسب صريحاً. ولما دخل إلى الأندلس نزل بقرية "يومين" بقرب بلدة طشانة Tocina من أعمال إشبيلية، وهي واقعة على ضفة نهر الوادي الكبير. ونحن نعرف أن جند الشام قد نزلوا لأول الفتح بإشبيلية أو حمص كما سموها يومئذ، نظراً لما بينها وبين حمص الشام من شبه قوي في الطبيعة والإقليم. وفي رواية أخرى أن بني عباد هم من ولد النعمان بن المنذر بن ماء السماء، وبذلك كانوا يفخرون ويمدحون، وهذا ما يؤيده قول شاعرهم ابن اللبانة:
من بني المنذر بن ما السماء وهو انتساب زاد في فخره بنو عباد
نبتة لم تلد سواها المعالي ... والمعالي قليلة الأولاد
وتألق نجم بني عباد، في أعقاب الفتنة، على يد جدهم أبي الوليد اسماعيل قاضي إشبيلية، وكان قد تقلب قبل انهيارالخلافة في عدة من الوظائف الكبرى، فولى الشرطة لهشام المؤيد، ثم ولي خطة الإمامة والخطابة بالجامع الأعظم، ثم ولي قضاء إشبيلية. ولما اضطرمت الفتنة، وتجهمت الظروف، استطاع بحزمه ودهائه، ووجاهته وبذله، أن يستغل ظروف الفتنة على أكمل وجه، وأن يجمع في يده أزمة الرياسة والحكم شيئاً فشيئاً، معتمداً في ذلك على عراقة بيته، ورفيع مكانته، وواسع ثرائه، ومعاونة الزعماء والأكابر الذين استمالهم إلى جانبه، بلينه وجوده ولباقته؛ ويصفه ابن حيان بأنه " رجل الغرب (أي غربي الأندلس) قاطبة، المتصل الرياسة في الجماعة والفتنة "، وينوه بوفور عقله وسبوغ علمه، وركانته ودهائه وبعد نظره، ويقول لنا إنه كان " أيسر من بالأندلس وقته، ينفق من ماله وغلاته، لم يجمع درهماً قط من مال السلطان ولا خدمه ".
ولما شعر القاضي ابن عباد بأنه حقق بغيته، من توطيد قدمه في الرياسة، وأثقلته السنون، وكف بصره أو كاد، ندب ولده أبا القاسم محمد ليشغل مكانه خطة القضاء. وكان سلطان بني حمود ما يزال ثمة يتردد بين قرطبة وإشبيلية، ويخفق علم خلافتهم هنا وهناك. وقد رأينا أن القاسم بن حمود قد تولى الخلافة في قرطبة عقب مقتل أخيه علي (أواخر سنة ٤٠٨ هـ). وفي أوائل سنة ٤١٢ هـ، ثار عليه ابن أخيه يحيى بن علي، وزحف بقواته على قرطبة، فغادرها القاسم في نفر من صحبه، وقصد إلى إشبيلية، وهناك تسمى بالخلافة وتلقب بالمستعلي.