للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظم ذو الوزارتين أبو القاسم بن عباد حكم المدينة، بعد أن غدا قاضيها وحاكمها السياسي معاً، معتمداً في ذلك على تأييد زعماء البيوتات العربية ومعاونتهم، وعلى تأييد الشعب والتفافه من حوله. وكان بالرغم من استئثاره بالسلطة، يبدي في أحكامه وتصرفاته كثيراً من اللين والرفق، وكان يعمل في هدوء وأناة على التخلص من سائر منافسيه، والقضاء عليهم واحداً بعد الآخر. وعمد في نفس الوقت إلى شراء العبيد، وحشد الرجال، واقتناء السلاح، ولم يكن يخفي عليه أن الحموديين، وشيعتهم من البربر يتربصون به، ويطمحون إلى امتلاك إشبيلية.

وكان بنو حمود من جانبهم يخشون بأسه وأطماعه على مملكتهم، ومن جهة أخرى فإن أطماع ابن عباد لم تكن تقف عند حكم إشبيلية وحدها، بل كانت تتجه إلى التوسع، ولاسيما في ناحية الغرب، التي كانت بطبيعتها الإقليمية تتبع إشبيلية، وكانت من جهة أخرى خالية من المنافسين الأقوياء.

وكان أول صدام عسكري خطير اشترك فيه أبو القاسم بن عباد، قتاله مع

بني الأفطس أصحاب بَطَلْيوس، وهم جيرانه من الشمال. ومما يجدر ذكره أن ابن

عباد مع خصومته للبربر، كان يعتمد على محالفة محمد بن عبد الله البرزالي البربري

صاحب قرمونة، أولا لأن قرمونة كانت حصن إشبيلية من الشرق، وثانياً

لأن البرزالي كان يخشى سطوة بني حمود وأطماعهم في المدينة، ومن ثم فقد

كانت تجمعه مع ابن عباد مصلحة جوهرية مشتركة؛ ولما وقعت الخصومة بن ابن عباد، والمنصور بن الأفطس صاحب بطليوس، بشأن الاستيلاء على مدينة باجة، التي وقع الخلاف بين أهلها على الرياسة، بعث ابن عباد لقتاله ولده اسماعيل


= بعنوان: Extraits de l'Ouvrage intitulé Al - Hollato, S'Syiara. " نبذ من الكتاب المسمى الحلة السيراء " (ليدن ١٨٤٧ - ١٨٥١) باعتباره يضم تراجم " الإسبانيين " أي الأندلسيين وليس المغاربة. ولم يكتف دوزي بذلك، بل عمد إلى تمزيق كثير من التراجم، فنشر أقساماً منها في Hist. Abbad. وكذلك في Recherches، ونشر باقيها في المجموعة المشار إليها. وفي اعتقادنا أن ذلك لم يكن عملا سليماً من الناحية العلمية، إذ ترتب عليه تمزيق الكتاب وبعثرة محتوياته ومن ثم فقد اضطررنا في الطبعة الأولى أن نرجع أحياناً إلى الأصل المخطوط، وأحياناً إلى أجزائه المطبوعة المبعثرة هنا وهناك.
هذا ومما يدعو إلى الغبطة أن كتاب الحلة السيراء قد صدر أخيراً في طبعة كاملة محققة في مجلدين كبيرين (القاهرة سنة ١٩٦٤) بعناية الدكتور حسين مؤنس مدير معهد الدراسات الإسلامية بمدريد. ومن ثم فقد رأينا أن نرد المراجع التي أثبتناها مخطوطة في الطبعة الأولى، خلال الكتاب، إلى هذه الطبعة الجديدة المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>