على رأس نخبة من جنده، واشترك معه البرزالي بقواته، وحاصرت القوات المشتركة مدينة باجة التي احتلتها قوات ابن الأفطس، وقتلت وأسرت معظمهم، وكان بين الأسرى ولد ابن الأفطس، فاعتقل لدى البرزالي حيناً بقرمونة ثم أطلق سراحه، وكذلك كان منهم أخ لابن طيفور صاحب ميرتُلَة وقد صلب بإشبيلية (٤٢١ هـ).
ثم عادت الحرب فاضطرمت بين الفريقين بعد ذلك بأربعة أعوام. وكان ابن الأفطس وهو من الأصول البربرية، يعتمد أيضاً في جيشه على فريق من البربر؛ وسارت قوات إشبيلية بقيادة إسماعيل بن عباد شمالا إلى أراضي ابن الأفطس وتوغلت فيها، ولكنه حين العودة فاجأته قوات كثيفة لابن الأفطس، ومزقت عسكره، ففر مع فلوله إلى مدينة أشبونة، وامتنع بها حيناً، وكانت هزيمة ساحقة لبني عباد (٤٢٥ هـ - ١٠٣٤ م).
وكان محمد بن عبد الله البرزالي صاحب قرمونة، من أكبر محرضي ابن عباد ومعاونيه في تلك المعارك. ويصفه ابن حيان "بقطب رحي الفتنة" وينوه بفتكه وعيثه وقبح آثاره في تلك المنطقة، وأنه كان من خصوم الخلافة، لا يروم قيامها بقرطبة بأي وجه "رسوخاً في الخارجية ودفعاً لأمر الله"، وأنه كان يقطع السبل على قرطبة، ويضيق عليها الحصار، حتى اضطر وزراء قرطبة إلى الاستعانة ضده بفريق من بربر بني برزال بشذونة، واعتضدوا بهم مدة. واعتضد ابن الأفطس بطائفة أخرى منهم. ويقول ابن حيان معلقاً على تلك الحالة في تسرب البربر إلى سائر الجهات:"فكان في كل بلد جملة منها، سالت عن أهل البلاد سيول بها، وخلطوا الشر بين رؤسائها، واستخرجوا بذلك، ما أظهروه من دنانيرهم وخلعهم، وجاحوا ذات أيديهم وعلموهم كيف يوكل الكتف، فطال العجب عندنا بقرطبة وغيرها من صعاليك، قليل عددهم، منقطع مددهم، اقتسموا قواعد الأرض في وقت معاً، مضربين بين ملوكها، راتعين في كلاها، باقرين على فلذتها، حلوا محل الملح في الطعام ببأسهم الشديد، وقاموا مقام الفولاذ في الحديد، فلا يقتل الأعداء إلا بهم، ولا تعمر الأرض إلا في جوارهم، فطائفة عند ابن الأفطس تقاوم أصحابها قبل ابن عباد، وطائفة عندنا بقرطبة تحيز أهلها عن الأضداد، فسبحان الذي أظهرهم، ومكن في الأرض لهم، إلى وقت وميعاد "(١).
(١) نقلها دوزي عن الذخيرة: راجع: Historia Abbadidarum V. I. p. ٢٢١.