للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس، أن اشكروا الله على ما أنعم عليكم به، فهذا مولاكم أمير المؤمنين هشام قد صرفه الله عليكم، وجعل الخلافة ببلدكم لمكانه فيكم، ونقلها من قرطبة إليكم، فاشكروا الله على ذلك (١).

وذاعت قصة ظهور هشام في سائر الأنحاء، وبعث ابن عباد بكتبه إلى سائر قواعد الأندلس، يطلب من رؤسائها الاعتراف والبيعة لهشام المؤيد. فلم يعترف بها سوى بعض الفتيان العامريين السابقين، واعترف بها الوزير أبو الحزم بن جهور لنفس البواعث، التي حملت ابن عباد على اختراعها، وهو العمل على دفع دعاوي الحموديين ومطامعهم حسبما سبقت الإشارة إليه.

ويندد الفيلسوف ابن حزم بقصة هذا الخليفة المزعوم، ويصفها بأنها "أخلوقة لم يقع في الدهر مثلها". ثم يقول إنها لفضيحة لم يقع في العالم إلى يومنا مثلها، أن يقوم أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام في مثلها، كلهم يتسمى بإمرة أمير المؤمنين، ويخطب لهم في زمن واحد، وهم: خلف الحصري بإشبيلية على أنه هشام بن الحكم، ومحمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة، ومحمد بن إدريس بن علي بن حمود بمالقة، وإدريس بن يحيى بن حمود بببشتر (٢).

وعلى إثر ذلك استعد ابن عباد لاسترداد قَرْمونة من يد يحيى المعتلي، فسير بعض قواته مع ولده إسماعيل، ومعها طائفة من البربر المتحالفين معه. فطوق قسم منها المدينة ليلا، وكمن القسم الثاني في أماكن مستترة. وكان يحيى المعتلي داخل المدينة، وهو عاكف على لهوه وشرابه، فلما وقف على الخبر. خرج مع قواته وهو ثمل، واشتبك مع المهاجمين في معركة حامية، وعندئذ ظهرت قوات ابن عباد من مكمنها وأطبقت عليه، فمزقت قواته وقتل خلال المعركة، واحتز رأسه وحمل إلى القاضي ابن عباد (المحرم سنة ٤٢٧ هـ) ورد ابن عباد قرمونة إلى صاحبها السابق، حليفه محمد بن عبد الله البرزالي.

بيد أنه لم تمض على ذلك أعوام قلائل حتى ساء التفاهم بين ابن عباد والبرزالي.

وكان ابن عباد يرى أن قرمونة، وهي حصن إشبيلية من الشرق يجب أن تكون في حوزته، فسير ولده إسماعيل في حملة قوية إلى قرمونة فاستولى عليها. ثم استولى بعد ذلك على مدينة إستجة الواقعة في شرقها وكذلك على مدينة أشونة الواقعة


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ١٩٩ و ٢٠٠، وأعمال الأعلام ص ١٥٤.
(٢) نقط العروس لابن حزم (المنشور بمجلة كلية الآداب ديسمبر ١٩٥١) ص ٨٣ و ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>