للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنوبي إستجة، فاستغاث البرزالي بزملائه من الزعماء البربر، وهرع إلى نصرته إدريس المتأيد صاحب مالقة، وباديس بن حبوس صاحب غرناطة، وكان كلاهما يتوجس من مشاريع ابن عباد وأطماعه، ووقعت بين البربر وجند إشبيلية عدة معارك عنيفة، واستطاع البربر أن يخترقوا أراضي إشبيلية حتى قلعة جابر (١) حصنها من الشرق، وانتهى الأمر بأن هزم الإشبيليون، وقتل أميرهم إسماعيل ابن عباد، واحتز رأسه وحمل إلى باديس، وذلك أسوة بما حدث ليحيى المعتلي، وكان ذلك في أوائل المحرم سنة ٤٣١ هـ (أواخر سنة ١٠٣٩ م) (٢).

فكان لتلك النكبة أسوأ وقع في نفس القاضي ابن عباد، فندب ولده الثاني عباداً لتدبير الشئون، وقيادة الجيش، فأبدى قوة وحزماً، ولبث زهاء عامين مضطلعاً بمهمته، حتى توفي أبوه في نهاية جمادى الأولى سنة ٤٣٣ هـ (يناير ١٠٤٢ م).

وكان القاضي ابن عباد عالماً أديباً، وشاعراً مطبوعاً، ومن قوله في الفخر:

ولابد يوماً أن أسود على الوري ... ولو رد عمرو للزمان وعامر

فما المجد إلا في ضلوعي كامن ... ولا الجود إلا في يميني ثابر

يجيش العلي بين جنبي جايل ... وبحر الندى أسير كفي زاخر

ويمكننا أن نعتبر القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد، مؤسس دولة بني عباد الحقيقي، ومنشىء ملكهم ورسوم مملكتهم، وعلى يده اتخذ سلطان بني عباد ألوانه الملوكية المدعمة بالقوى العسكرية، وإن لم يصل بعد إلى غايته من الروعة والضخامة، وأصبح ملوكية وراثية راسخة، بعد أن كان يتخذ فقط صورة الزعامة، والرياسة القبلية.

- ٢ -

فولى الأمر من بعده ولده أبو عمرو عباد بن محمد بن إسماعيل، وتلقب أولا بفخر الدولة، ثم بالمعتضد بالله، وكان يوم ولايته فتى في السادسة والعشرين، وكان مولده في صفر سنة ٤٠٧ هـ (١٠١٦ م). وقد أجمعت الروايات المعاصرة والقريبة من العصر، على الإشادة بخلال المعتضد الباهرة، وصفاته المثيرة معاً. ويصفه ابن حيان، وهو معاصره، ومتتبع لأحداث حياته وحروبه، بأنه "زعيم جماعة أمراء الأندلس في وقته، أسد الملوك، وشهاب الفتنة، وداحض العار، ومدرك الأوتار،


(١) هي بالإسبانية Alcalà de Guadaira، وما تزال أطلالها قائمة حتى اليوم.
(٢) جذوة المقتبس ص ٢٩ و ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>