وذو الأنباء البديعة، والجرائر الشنيعة، والوقائع المثيرة، والهمم العلية، والسطوة الأبية". وابن حيان أميل إلى تزكية المعتضد منه إلى الحكم عليه، حسبما يبدو ذلك من قوله "فلقد حمل عليه على ممر الأيام في باب فرط القسوة، وتجاوز الحدود والابلاغ في المثلة، والأخذ بالظنة، والإحتقار للذمة، حكايات شنيعة لم يبد في أكثرها للعالم بصدقها دليل يقوم عليها، فالقول ينساق في ذكرها، ومهما برىء من مغيبها فلم يبرأ من فظاعة السطوة، وشدة القسوة، وسوء الاتهام على الطاعة، سجايا من جبلَّته لم يحاش فيهن ذو رحم واشجة". بيد أن ابن بسام، وقد عاش قريباً من عصر المعتضد، يبدو أشد قسوة في الحكم عليه إذ يصفه فيما يلى: "قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم عليه قريب ولا بعيد، جبار أبرم الأمر وهو متناقض، وأسد فرس الطلى وهو رابض، متهور تتحاماه الدهاة، وجبان لا تأمنه الكماة، متعسف اهتدى، ومنبت قطع فما أبقى، ثار والناس حرب، وكل شىء عليه ألب، فكفى أقرانه وهم غير واحد، وضبط شأنه بين قائم وقاعد، حتى طالت يده، واتسع بلده، وكثر عديده وعدده، حربه سم لا يبطىء، وسهم لا يخطىء، وسلمه شر غير مأمون، ومتاع إلى أدنى حين " (١).
وافتتح المعتضد عهده بأمور كشفت عن صرامته وعنف وسائله، منها قتل حبيب وزير أبيه، ومنها اضطهاد الزعماء القدماء ونكبتهم، وقد كان في مقدمة هؤلاء الفقيه أبو عبد الله الزبيدي، وأبو محمد عبد الله بن مريم زميلا جده القاضي ابن عباد في الرياسة، وذلك حتى لا يقوم لأحد من ذوي العصبيات القوية قائمة.
ثم وضع خطته الشاملة للاستيلاء على قواعد الغرب من أمرائها الأصاغر، حتى يخلص الغرب كله من الوادي الكبير إلى المحيط لسلطان بني عباد.
إمارات غربي الأندلس
وكانت أولى هذه القواعد مدينة لبلة الواقعة غربي إشبيلية، وشمال شرقي ثغر ولبة، وكان قد ثار بها أيام الفتنة، أبو العباس أحمد بن يحيى اليحصبي المعروف باللبلي، أحد كبرائها، وضبطها، وبايعه أهلها (سنة ٤١٤ هـ) وبسط سلطانه
(١) أورده ابن بسام في ترجمة المعتضد في الذخيرة، وأورده دوزي في Historia Abbadidarum, V.I.p. ٢٤١ & ٢٤٢. وأورده ابن الأبار في الحلة السيراء (القاهرة) ج ٢ ص ٤٠ و ٤١.