للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمارات ولاية الغرب، أولهما إمارة ولبة وجزيرة شلطيش، الواقعة جنوب غربي لبلة، وإمارة شنتمرية الغرب في غربها.

فأما إمارة ولبة وجزيرة شلطيش الواقعة تجاهها في المحيط في مصب نهر أوديل فقد آلت في أعقاب الفتنة إلى أبي زيد عبد العزيز البكري - كبير زعمائها - وبويع بها في سنة ٤٠٣ هـ، واستمر مضطلعاً بحكمها مدة طويلة، والسلام يرفرف على أرجائها. فلما قوي سلطان بني عباد بإشبيلية، واتجهت أطماعهم إلى الاستيلاء على إمارات الغرب، أخذ المعتضد يضيق الخناق على ثغر ولبة، ويرهقه بغاراته، ويقطع السبل إليه. فساءت أحوال الإمارة الصغيرة، ولم يجد البكري سبيلا إلا مفاوضة ابن عباد في عقد الصلح على أن يسلم إليه ثغر ولبة، ويكتفي هو بجزيرة شلطيش، فوافق ابن عباد على ذلك، ولكنه ما لبث أن أخذ في مضايقة البكري في جزيرته، وفرض عليه نوعاً من الحصار. وعندئذ اضطر البكري أن يفاوضه مرة أخرى في التنازل عن جزيرة شلطيش، وانتهى إلى أن باعه أملاكه وسفنه وأثقاله بعشرة آلاف مثقال من الذهب، وغادر الجزيرة، بأهله وأمواله، إلى قرطبة ليعيش هناك في كنف ابن جهور أسوة بزميله ابن يحيى أمير لبلة (٤٤٣ هـ ١٠٥١ م). وفي رواية أخرى أن البكري سار إلى إشبيلية وعاش بها في كنف ابن عباد إلى أن توفي بها في سنة ٤٥٠ هـ. بيد أننا نؤثر الرواية الأولى وهي رواية ابن حيان، معاصر هذه الحوادث ومدونها بطريق العلم والتحقيق (١).

هذا وقد اختفت جزيرة شلطيش من مصب نهر أوديل ولم يبق لها اليوم وجود.

وأما إمارة شنتمرية الغرب الصغيرة الواقعة على المحيط في جنوبي البرتغال، فقد بويع بها أبو عبد الله محمد بن سعيد بن هارون سنة ٤٣٣ هـ خلفاً لأبيه سعيد ابن هارون، ولبث في حكمها بضعة أعوام إلى أن بدأ المعتضد في مضايقته ومحاربته.

وألفى ابن هارون أن لا قبل له بمقاومة هذا الأمير الباغي، فنزل له عن ثغره، وخرج بأهله وصحبه إلى إشبيلية (٤٤٣ هـ - ١٠٥١ م) وهناك توفي بعد أشهر قلائل. وقيل إن خروج ابن هارون من شنتمرية كان في سنة ٤٤٩ هـ (٢). وتقوم اليوم مدينة فارو البرتغالية فوق موقع شنتمرية الأندلسية.

ولم يبق من إمارات الغرب بعد ذلك سوى إمارة شلب، وكانت في الواقع


(١) ابن حيان، ونقله دوزي في: Hist.Abbadidarum V.I.p. ٢٥٢-٢٥٣
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٠٥ و ٢٩٨، ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>