للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن جهور بين الفريقين، واستمر في مساعيه الحثيثة حتى عقد الصلح بين المعتضد وابن الأفطس في ربيع الأول سنة ٤٤٣ هـ (١٠٥١ م).

والتفت المعتضد بعد ذلك إلى لَبلة فضيق الخناق عليها، وفي النهاية اضطر

أميرها عز الدولة أن يتنازل عن حكمها لابن أخيه أبي نصر فتح بن خلف اليحصبي الملقب بناصر الدولة، على أن يعقد السلم مع المعتضد، وأن يؤدي له جزية سنوية.

وانتقل بأهله وأمواله إلى قرطبة، ليعيش هناك في كنف الوزير أبي الوليد بن جهور وذلك في أواخر سنة ٤٤٣ هـ.

على أن المعتضد لم يقنع بهذا الحل، ولم يمض سوى القليل حتى نقض السلم المعقود، وبعث قواته فهاجمت لبلة، واضطر ناصر الدولة أن يدافع عن نفسه، واستمرت الحرب بينهما حيناً، حتى خربت بسائط لبلة وقتل كثير من جندها، وسبى كثير من أهلها، وذلك بالرغم مما بذله ناصر الدولة من جهود يائسة للدفاع عن ملكه، وما قام به من غارات متعددة على أراضي إشبيلية. وفي النهاية اضطر ناصر الدولة أن ينزل على حكم القوة القاهرة، وأن يسلم لبلة إلى خصمه القوى، وأن يغادرها إلى قرطبة، ليعيش هناك إلى جانب عمه. وكان سقوط لبلة في يد المعتضد بن عباد سنة ٤٤٥ هـ (١٠٥٣ م) (١).

هذا وربما كانت لبلة هي الوحيدة بين مدن الأندلس المسلمة، التي ما زالت

تحتفظ حتى اليوم بأسوارها الأندلسية كاملة. وقد زرناها وشهدنا أسوارها العتيقة

الضخمة التي تحيط بها من كل ناحية إلا من ناحيتها الشرقية على النهر المسمى "النهر

الأحمر" Rio Tinto. وتمثل هذه الأسوار، التي جددها الموحدون في القرن الثاني عشر، منعة لبلة الأندلسية وموقعها الحصين فوق الربوة العالية التي تحتلها، وهو منظر رائع حقاً لا يدانيه في روعته سوى أسوار مدينة آبلة الرومانية العربية.

وثمة خاصة أخرى تمتاز بها لبلة، وهي أنه لم يطرأ علي خططها الأندلسية القديمة كثير من التغيير، فهي ما زالت تحتفظ داخل الأسوار بطابعها الأندلسي المحض.

وعنى المعتضد في الوقت نفسه بالاستيلاء على إمارتين صغيرتين أخريين من


(١) راجع ما نقله ابن بسام في الذخيرة (عن ابن حيان) في دوزي: Historia Abbadi- darum V.I.p. ٢٤٤-٢٥٢. , والبيان المغرب ج ٣ ص ٢٠٩ و ٢١٠ و ٢١١ و ٢٣٤ و ٢٤٠ و٢٩٩ و ٣٠٠ و ٣٠١، وأعمال الأعلام ص ١٥٦، وابن حيان (نقله ابن بسام في الذخيرة) القسم الأول المجلد الأول ص ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>