وكانت هذه الإمارات البربرية التي استولى عليها وضبطها الزعماء البربر، المتخلفون من عصبة المنصور بن أبي عامر، فضلا عن مملكة بني حمود في مالقة والجزيرة، ومملكة باديس بن حبوس في غرناطة، تنحصر في أربعة وهي إمارة بني يفرن في رندة، وإمارة بني دمَّر في مورور، وإمارة بني خزرون في شذونة وأركش، وإمارة بني برزال في قرمونة. وكان بنو عباد في بداية أمرهم، يخطبون ود هؤلاء الزعماء البربر، ويعتمدون أحياناً على محالفتهم كما حدث عندما تحالف القاضي ابن عباد مع أمير قرمونة على قتال بني الأفطس، ثم على قتال يحيى بن حمود فيما بعد. ثم كان بين أبي نور هلال بن أبي قرة اليفرني صاحب رندة، وبين المعتضد بن عباد صداقة ومودة وثيقة العري، وكان المعتضد يبعث إليه، وإلى باقي الأمراء البربر، بالهدايا والصلات الجزيلة، وكل ذلك لكي يكسب حيادهم ومودتهم، وهو في أعماق نفسه يضمر لهم غاية الكيد والشر، ويتحين الفرص للإيقاع بهم.
وفي سنة ٤٤٥ هـ، دبر المعتضد كمينه لأولئك الأمراء، فدعاهم إلى زيارته يإشبيلية، فلبى الدعوة ثلاثة منهم هم أبو نور بن أبي قرة صاحب رندة، ومحمد بن نوح الدمَّري صاحب مورور، وعبدون بن خزرون صاحب أركش، وقد ساروا إلى إشبيلية في أحسن زي، وأفخم مظهر، ومعهم نحو مائتي فارس من رؤساء قبائلهم. فاستقبلهم المعتضد أحسن استقبال، وأنزل الأمراء بقصر من قصوره، وفي اليوم الثالث استدعاهم إلى مجلسه، وأخذت يؤنبهم على تقصيرهم في محاربة أعدائه، ولما هموا بالرد أمر بالقبض عليهم، وتكبيلهم بالأغلال، ووضعهم في السجن فرادى، واستولى على سائر متاعهم وخيلهم وسلاحهم؛ وبعد مدة من اعتقالهم، أمر بادخالهم في الحمام، وبناء منافذه، وإضرام النار فيه حتى هلكوا، ويقال إنه أطلق ابن أبي قرة، وهلك صاحباه فقط في الحمام، وهما محمد بن نوح، وعبدون بن خزرون. وكان لغدر ابن عباد بالزعماء البربر على هذا النحو، أسوأ وقع في القبائل البربرية، وفي إذكاء سخطها على ابن عباد وتوجسها منه ومن مشاريعه.
واستمر المعتضد بعد ذلك في سعيه للاستيلاء على أملاك أولئك الأمراء؛ فأما أركش فقد حل في حكمها محمد بن خزرون مكان أخيه عبدون، فابتنى