للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباد قلعة حصينة على مقربة منها، وأخذ رجاله يغيرون منها على أركش ويرهقون أهلها، فسار بنو يرنِّيان، وهو اسم قبيلة البربر النازلة بها، إلى كبيرهم باديس في غرناطة، واتفقوا معه على أن يسلموه أركش على أن يفسح لهم مقاماً في مملكته ينزلون به، وخرجوا من أركش بأموالهم ومتاعهم وحريمهم، وسلموها إلى جند باديس، فلما بعدوا عنها بمسافة نحو عشرين ميلا، تعرضت لهم جند ابن عباد ووقع القتال بينهم وبينه، ودافع البربر عن أنفسهم دفاعاً شديداً، حتى أبيد أكثرهم، وقتل زعيمهم محمد بن خزرون، وقتل قائد باديس الذي كان معهم، وملك ابن عباد أركش وشذونة وسائر هذه المنطقة، وكان ذلك في أواخرسنة ٤٥٨ هـ (١٠٦٦ م) (١).

وأما مورور أو مورون، وهي منزل بني دمَّر، فإنه بعد أن هلك أميرها محمد بن نوح في سنة ٤٤٥ هـ، أو على قول آخر في سنة ٤٤٩ هـ، في حبس ابن عباد، خلفه ولده مناد بن محمد بن نوح الملقب بعماد الدولة، وضبط مورور وحسنت سيرته، وقصد إليه البربر من إشبيلية ومن إستجة وغيرهما، فكثر جمعه، هذا والمعتضد يتربص الفرصة للإيقاع به، ويرسل جنده للإغارة عليه، وانتساف زروعه، وحرق قراه، وأخيراً حاصرت جند ابن عباد مورور حصاراً شديداً، وضيقت عليها المسالك، حتى اضطر عماد الدولة أن يذعن إلى التسليم، على أن يعيش في إشبيلية، في كنف المعتمد وتحت حمايته، فأجابه المعتضد إلى طلبه، وسلم إليه المدينة (٤٥٨ هـ) وقصد إلى إشبيلية بأهله وماله، وعاش بها حتى توفي في سنة ٤٦٨ هـ (٢).

وأما رندة، وهي أهم هذه الإمارات الجنوبية وأمنعها، فكانت منزل بني

يفرن. ولما وقع أميرها أبو نور هلال بن أبي قرة اليفرني في اعتقال المعتضد سنة ٤٤٥ هـ، قام ولده باديس مكانه في رندة، ولكنه كان فاجراً سفاكاً، فسطا على الأموال والأعراض، وعاث رجاله في المدينة سبياً ونهباً، ولم يعف عن الاعتداء على أقرب الناس إليه. فلما أفرج عن أبيه، عاد إلى رندة، وقتل ولده الفاسق (٤٤٩ هـ)، ولكنه لم يعش بعده سوى أشهر قلائل وتوفي في نفس العام، فخلفه ولده أبو نصر فتوح، وبويع له في رندة، وفي سائر بلاد ريُّه، وكان


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٩٤.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٩٥ و ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>