للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محسناً عادلا، ولكنه كان شغوفاً بالشراب، مخلداً إلى الراحة، فدس عليه المعتضد رجلا من أقرب صحبه يدعى ابن يعقوب، فهجم عليه في أصحابه ذات يوم، وهو يصيح بشعار ابن عباد، فألقى أبو نصر نفسه من أعلى القصبة فمات، ولم يبد أهل المدينة أية مقاومة، وخلصت رندة وأعمالها على هذا النحو، إلى المعتضد، وذلك في سنة ٤٥٧ هـ (١٠٦٥ م) (١).

وأما قَرْمونة فكانت حسبما تقدم في يد بني برزال. وتقع قرمونة على مقربة من شمالي شرقي إشبيلية، وتعتبر لمنعتها الفائقة حصن إشبيلية من الشرق، وما يزال يقوم بها حتى اليوم، بابها الغربي المواجه لطريق إشبيلية، والمسمى حتى اليوم باسمه الأندلسي باب إشبيلية، وهو يعتبر بعقده الشاهق وواجهته العظيمة، من أمنع الأبواب الأندلسية الباقية. وكان أمير قرمونة أيام القاضي ابن عباد، محمد بن عبد الله البرزالي، الذي سبق أن أشرنا إلى قصة تحالفه مع ابن عباد ضد بني الأفطس وضد يحيى بن حمود. واستمر في حكم قرمونة وأعمالها مثل إستجة ومرشانة حتى توفي سنة ٤٣٤ هـ، فخلفه ولده عزيز الملقب بالمستظهر، وانتظمت الأحوال وعم السلم والرخاء في عهده، إلى أن بدأ المعتضد في مضايقته وغزو أراضيه. ولم تزل الحرب بينهما بضعة أعوام حتى خربت البلاد، وفنى كثير من البربر، واضطر المستظهر أن يذعن إلى التسليم، فخرج من قرمونة وسلمها إلى ابن عباد، وذلك في سنة ٤٥٩ هـ (١٠٦٧ م)، وتوفي بعد قليل في إشبيلية (٢).

هذا وسوف نعود إلى تناول هذه الإمارات البربرية في فصل خاص بها.

وكان المعتضد قد استولى قبل ذلك على الجزيرة الخضراء. وكان أميرها القاسم بن محمد بن حمود، قد خلف أباه في حكمها في سنة ٤٤٠ هـ، وكان المعتضد يسعى إلى القضاء على سلطان الحمُّوديين وخلافتهم. ومن جهة أخرى فقد كان يهمه الاستيلاء على الجزيرة، وهي باب الأندلس من الجنوب، فبعث قواته إليها فطوقتها من البر والبحر، وضيقت عليها الحصار، حتى اضطر القاسم إلى طلب الأمان والتسليم إلى قائد المعتضد عبد الله بن سلام، فأجابه إلى مطلبه. وخرج


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٠٨ و ٣١٢ و ٣١٣.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>