شباتها، وكأنه قد استصغر ما أتى، واستحقر ما جنى، فزرا وسرا ما صارت به الصغرى، التي كانت العظمى". ثم يصف ائتماره بأبيه وتسوره القصر ليلا، وفشل المؤامرة، والقبض على المتآمرين، "حتى أظفر الله بهم، وأقيمت حدود الله تعالى على الجميع منهم، وأنفذت حكم العدل فيهم ".
ثم يحاول أن يبرر تصرفه فيما يلي: "فاعجب يا سيدي لأبناء الزمن، وأنباء الفتن، وانقلاب عين الإبن المقرب الودود، إلى حال الواتر المحسود، والثائر الحقود، واعتبر في ورد المساءة، من موطن المسرة، وطلوع المحنة. وقد أربت هذه الحال على كل ما جر عليه عقوق من الأبناء والبنين، من السلف المتقدمين، فلم يكن أكثر مما وجدناه من ذلك في الأخبار والآثار، استيحاشاً وشروداً، ونبوا ونددوا، إلا ما شذ لأحد ملوك الفرس، وآخر من بني العباس. وجمع هذا اللعين في إرادته ومحاولته، بين الشاذ والنادر، والمنكر الدائر، وزاد إلى استيحاشه الذم، التعرض لإباحة الحرم، وإلى ما رام من إتلاف المهجات، السافح فيها كان يجري على العورات المصونات، وهو زمان فتنة، وشمول إحنة ودمنة، والناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وأصدق من هذا قوله تعالى:" إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم، فاحذروهم " نفثت يا سيدي نفثة مصدور، وأطلت في الشرح والتفسير، خروجاً إليك عن هذا الخطب الخطير، والملم الكبير، وهو خبر فيه معتبر " (١).
ونحن نعرف أن فتك المعتضد بن عباد بولده لم يكن هو أول مثل من نوعه في تاريخ الأندلس. فقبل سبعين عاماً، قتل المنصور بن أبي عامر ولده عبد الله، ومن قبل ذلك قتل الناصر لدين الله ولده عبد الله أيضاً، وكلاهما في مثل هذه الظروف، ولمثل هذه الأسباب، أعني لتطلعه إلى انتزاع السلطان من يد أبيه، وائتماره بحياته. بيد أن المعتضد هو أول أمير من هؤلاء يعني بشرح موقفه وظروفه، وتبرير تصرفه الدموي، في هذه الوثيقة أو هذه الرسالة، التي وجهها إلى زملائه أمراء الأندلس. وقد كان من الطبيعي أن يتوجس أمير مستبد، صارم عنيف الأهواء، مثل المعتضد بن عباد،
(١) راجع دوزي Historia Abbadidarum, V.I.p. ٢٥٣-٢٥٦ , والبيان المغرب ج ٣ ص ٢٤٥ و ٢٤٨.