هذه الغاية، فسار ابن عمار، وعقد مع الكونت رامون برنجار أمير برشلونة صفقة، يتعهد فيها بأن يعاونه بفرسانه على فتح مرسية، مقابل عشرة آلاف مثقال من الذهب تدفع إليه، واتفق الطرفان، أن يقدم كل منهما رهينة إلى الآخر ضماناً بالوفاء، فقدم المعتمد ولده الرشيد، وقدم الكونت ابن أخيه، وبعث المعتمد بقواته، وعلى رأسها ابن عمار. ولحقت بها قوات الكونت، وحاصرت القوات المتحالفة مدينة مرسية، ولكن ابن عباد تأخر في أداء المال، واعتقد الكونت أنه قد غرر به، فقبض على ابن عمار وعلى الرشيد، وارتد بقواته عن المدينة. وعلم ابن عباد بالأمر، وهو على رأس قواته على ضفاف نهر الوادي الكبير على مقربة من شقّورة، وبادر بأداء المال، وبعث معه رهينة الكونت، وأفرج عن الرشيد وابن عمار، وأخفقت هذه الحملة الأولى في فتح مرسية، وجهز المعتمد بإشارة وزيره حملة أخرى على رأسها ابن عمار، واتصل ابن عمار في طريقه بقائد حصن بَلج أو بُليج، Vélez Rubio وهو يومئذ عبد الرحمن بن رشيق، فسار معه، وندبه للقيادة، وحاصر ابن رشيق مرسية، واستمر في إرهاقها، وفي تحريض أهلها على القيام ضد ابن طاهر، حتى تم له الأمر، وفتحت المدينة أبوابها بطريق الخيانة، ودخلها جند ابن عباد، وقبض على ابن طاهر، واعتقل حتى أذن ابن عباد بتسريحه، فلحق ببلنسية، وكان افتتاح مرسية على هذا النحو في سنة ٤٧١ هـ (١٠٧٨)(١).
على أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد. ذلك أن ابن عمار سولت له نفسه، أن يستقل بحكم هذه المدينة النائية، بعيداً عن سلطان مليكه، وعمد بالفعل إلى حكمها حكم أمير مستقل، وتجاهل أوامر ابن عباد ورغباته، وأخذ يدس الدسائس بين أمراء هذه الناحية، ولكن هذه المغامرة لم يطل أمدها؛ ذلك أن ابن رشيق، وهو فاتح المدينة الحقيقي، كان يتربص بابن عمار، ويتحين فرصته، وفي ذات يوم غادر ابن عمار مرسية لتفقد بعض الحصون الخارجية، فوثب ابن رشيق واستولى على المدينة، وأغلق أبوابها في وجه ابن عمار، فكانت تلك الضربة خير جزاء له على خيانته.
(١) راجع في فتح مرسية: أعمال الأعلام ص ١٦٠، والمراكشي في المعجب ص ٦٥، ودوزي عن الشلبي في: Hist.Abbadidarum, V. II. p,٨٦-٨٧. وكذلك: R.Menendez Pidal: Piles Ibars: Murcia Arabe, V.I.p. ١٨٩-١٩١, La Espana del Cid p. ٢٥٩ & ٢٨١