للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بد لنا قبل أن نمضي في تتبع أخبار المعتمد، أن نتحدث عن الوزير ابن عمار، وهو الذي اضطلع بأخطر دور في تنفيذ مشاريع المعتمد. فهو أبو بكر محمد بن عمار بن الحسين بن عمار المهري، وأصله من قرية من أرباض شلب تسمى "شنبوس" (١)، ولد بها سنة ٤٢٢ هـ (١٠٣١ م)، في أسرة متواضعة لم يكن لها في الظهور شأن، ووفد على مدينة شلب فنشأ بها وتلقى دراسته الأولى، ثم رحل إلى قرطبة، فأكمل دراسته على جماعة من شيوخ العصر، وبرع في الأدب، ونظم الشعر فتى، واتخذه وسيلة للتكسب، فكان يمدح كل من وصله، مهما كانت مكانته أو مركزه. ثم قصد إشبيلية ومدح المعتضد، فنظمه في سلك شعرائه وأمنائه، ولما ندب المعتضد ولده المعتمد لحكم شلب على أثر افتتاحها، اتصل به ابن عمار وألفى المعتمد في صفاته وأدبه ورقيق نظمه ما حببه إليه، فعهد إليه بوزارته، وتوثقت بينهما علائق المودة والصفاء، حتى غدا أثير المعتمد، ينظمه في مجالس أنسه، ولا يصبر على فراقه، وكانت براعة ابن عمار في النظم هي أحب صفاته لأميره الشاعر. ولما توفي المعتضد، وخلفه ولده المعتمد في الملك، عين ابن عمار أولا والياً لبلده شلب، ولكن مقامه بها لم يطل، إذ لم يصبر المعتمد على فراقه، فاستدعاه إلى إشبيلية وولاه وزارته. فظهر ابن عمار يومئذ بمقدرته ودهائه، فكان المعتمد يعهد إليه بمهام الأمور ويندبه إلى سفاراته، وتنفيذ مشاريعه الخطيرة، فيؤديها ابن عمار على أحسن وجه. واستمر ابن عمار على حظوته ومكانته لدى المعتمد أعواماً طويلة، إلى أن فسد الجو بينهما، بتدخل اعتماد الرميكية زوجة المعتمد، فكان ذلك إيذاناً بنكبته على ما نذكره بعد.

وكان من أهم المشاريع التي اضطلع بها ابن عمار يومئذ، استيلاؤه على مدينة مرسية باسم ابن عباد. وهنالك ما يدل على أن مملكة إشبيلية كانت تمتد في ذلك الوقت حتى لورقة وشقورة (٢) على مقربة من مرسية. وكانت مرسية بعد أن غادرها خيران العامري، قد تغلب عليها أبو بكر بن طاهر، ثم ولده أبو عبد الرحمن بن طاهر من أعيانها، ولكنه لم يوفق إلى إخماد العناصر الناقمة، فكتب بعض هؤلاء إلى المعتمد بن عباد يستدعونه لفتحها، وشرحوا له ضعف ابن طاهر وقلة أهباته الدفاعية، فعهد المعتمد إلى ابن عمار بوضع الخطة اللازمة لتحقيق


(١) وهي اليوم بلدة Estombar البرتغالية الواقعة جنوبي شلب.
(٢) قلائد العقيان ص ٩، ودوزي في: Hist. Abbadidarum, V, II, p, ٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>