للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتمعت هذه العوامل المادية والأدبية، لتذكى ضرام النضال بين مملكة غرناطة، حصن البربر في الجنوب، وبين مملكة إشبيلية. وكانت مملكة غرناطة قد بلغت ذروة قوتها في عهد ملكها باديس بن حبوس الصِّنهاجي، وكان باديس قد رشح ولده بُلُقِّين للأمر من بعده ولقبه سيف الدولة، ولكنه توفي بالسم في حادث غامض. وفي خلال ذلك كان النضال مستمراً بين المعتضد بن عباد وبين البربر، وقوة باديس تضعف شيئاً فشيئاً. فلما توفي باديس في سنة ٤٦٥ هـ (١٠٧٣ م)، خلفه في حكم غرناطة حفيده عبد الله بن بُلُقِّين، وفي حكم مالقة حفيده تميم، ولم يمض على وفاته سوى عام، حتى سار المعتمد بن عباد في قواته إلى جيان، أهم قواعد مملكة غرناطة الشمالية واستولى عليها (٤٦٦ هـ - ١٠٧٤ م) ولم يبق من مملكة غرناطة سوى العاصمة ورباضها. وعندئذ فكر أمير غرناطة في الإستعانة بالنصارى، وتوصل بواسطة المأمون بن ذى النون، إلى أن يعقد مع ألفونسو السادس ملك قشتالة، معاهدة صداقة وتحالف، يتعهد فيها بدفع الجزية. وحدث في نفس الوقت أن ظفر المأمون بن ذى النون، بانتزاع قرطبة من ابن عباد (٤٦٧ هـ)، فكانت هزيمة المعتمد، سبباً في انقشاع الخطر نوعاً عن غرناطة.

وخرج عبد الله بن بُلُقِّين بعد ذلك في قواته ومعه سرية من حلفائه النصارى، وأغار على أراضي ابن عباد، وعاث فيها، واستطاع أن يسترد حصن قبرة القريب من جيان (١).

بيد أن المعتمد لم يقف مكتوفاً إزاء هذه الحركة، فاتجه بدوره إلى النصارى، وأرسل وزيره الشهير أبا بكر بن عمار إلى ملك قشتالة ألفونسو السادس، فعقد معه حلفاً دفع مقابل عقده خمسين ألف دينار. ويقضي هذا الحلف بأن يتعاون المعتمد وألفونسو السادس، على افتتاح غرناطة، وأن تكون المدينة ذاتها للمعتمد، وأن تكون ذخائر القلعة الحمراء لألفونسو. وظهر أثر هذه المعاهدة على الفور، إذ عمد النصارى إلى تخريب بسائط غرناطة، ولاسيما أراضي مرجها الشهير La Vega (٢) .


(١) R. Menendez Pidal: La Espana del Cid, p, ٢٥٧ & ٢٦٠.
(٢) R. M. Pidal: ibid ; p, ٢٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>